responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 209
لِنَفْسِهِ: «مَا أَعْجَبَكِ! تَأْنَفِينَ مِنَ الِاحْتِمَالِ الْآنَ، وَلَا تَأْنَفِينَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا تَحْذَرِينَ مِنْ أَنْ تَصْغُرِي عِنْدَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ» .
فَمَهْمَا كَظَمَ الْغَيْظَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْظِمَهُ لِلَّهِ، وَذَلِكَ يُعَظِّمُهُ عِنْدَ اللَّهِ، فَمَا لَهُ وَلِلنَّاسِ؟ .
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَأَنْ تَقُولَ بِلِسَانِكَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَإِنْ كُنْتَ قَائِمًا فَاجْلِسْ، وَإِنْ كُنْتَ جَالِسًا فَاضْطَجِعْ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ؛ فَإِنَّ الْغَضَبَ مِنَ النَّارِ، وَالنَّارُ لَا يُطْفِئُهَا إِلَّا الْمَاءُ.

فَضِيلَةُ كَظْمِ الْغَيْظِ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آلِ عِمْرَانَ: 133، 134] دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْكَاظِمِينَ مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَأَنَّ مَغْفِرَةَ رَبِّهِمْ تَنَالُهُمْ، وَجَنَّتَهُ أُعِدَّتْ لَهُمْ، فَمَا أَفْضَلَ هَذَا الْجَزَاءَ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ عَذَابَهُ، وَمَنِ اعْتَذَرَ إِلَى رَبِّهِ قَبِلَ اللَّهُ عُذْرَهُ، وَمَنْ خَزَنَ لِسَانَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَشَدُّكُمْ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَأَحْلَمُكُمْ مَنْ عَفَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ» .
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ قَالَ «لعمر» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَاللَّهِ مَا تَقْضِي بِالْعَدْلِ، وَلَا تُعْطِي الْجَزْلَ» ، فَغَضِبَ «عمر» حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الْأَعْرَافِ: 199] وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ، فَسَكَنَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَفَا عَنْهُ.

فَضِيلَةُ الْحِلْمِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْحِلْمَ أَفْضَلُ مِنْ كَظْمِ الْغَيْطِ؛ لِأَنَّ كَظْمَ الْغَيْظِ عِبَارَةٌ عَنِ التَّحَلُّمِ، أَيْ تَكَلُّفِ الْحِلْمِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى كَظْمِ الْغَيْظِ إِلَّا مِنْ هَاجَ غَيْظُهُ، وَيَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى مُجَاهَدَةٍ شَدِيدَةٍ، وَلَكِنْ إِذَا تَعَوَّدَ ذَلِكَ مُدَّةً صَارَ ذَلِكَ اعْتِيَادِيًا فَلَا يَهِيجُ الْغَيْظُ، وَإِنْ هَاجَ فَلَا يَكُونُ فِي كَظْمِهِ تَعَبٌ، وَهُوَ الْحِلْمُ الطَّبِيعِيُّ، وَهُوَ دَلَالَةُ كَمَالِ الْعَقْلِ وَاسْتِيلَائِهِ، وَانْكِسَارِ قُوَّةِ الْغَضَبِ وَخُضُوعِهَا لِلْعَقْلِ، وَلَكِنِ ابْتِدَاؤُهُ الْتَّحَلُّمُ وَكَظْمُ الْغَيْظِ تَكَلُّفًا، وَفِي الْحَدِيثِ: " إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ " إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اكْتِسَابَ الْحِلْمِ طَرِيقُهُ التَّحَلُّمُ أَوَّلًا وَتَكَلُّفُهُ، كَمَا أَنَّ اكْتِسَابَ الْعِلْمِ طَرِيقُهُ التَّعَلُّمُ.
وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ لَيُدْرِكُ بِالْحِلْمِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ "، وَعَنْ " الحسن " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الْفُرْقَانِ: 63] قَالَ: حُلَمَاءُ إِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا. وَعَنْ مجاهد فِي آيَةِ: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الْفُرْقَانِ: 72] أَيْ: إِذَا أُوذُوا صَفَحُوا، وَعَنْ " علي " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَوَلَدُكَ، وَلَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ وَيَعْظُمَ حِلْمُكَ، وَأَنْ لَا تُبَاهِيَ النَّاسَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَإِذَا أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِذَا

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 209
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست