responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 198
حَرَّمَ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْهِيمِ الْغَيْرِ نُقْصَانَ أَخِيهِ وَتَعْرِيفَهُ بِمَا يَكْرَهُهُ؛ وَلِذَا كَانَ التَّعْرِيضُ بِهِ كَالتَّصْرِيحِ، وَالْفِعْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ، وَالْإِشَارَةِ، وَالْإِيمَاءِ، وَالْغَمْزِ، وَالْهَمْزِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالْحَرَكَةِ، وَكُلُّ مَا يُفْهِمُ الْمَقْصُودَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْغِيبَةِ وَهُوَ حَرَامٌ. فَمَنْ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى قِصَرِ أَحَدٍ، أَوْ طُولِهِ، أَوْ حَاكَاهُ فِي الْمَشْيِ كَمَا يَمْشِي - فَهُوَ غِيبَةٌ، وَالْكِتَابَةُ عَنْ شَخْصٍ فِي عَيْبٍ بِهِ غِيبَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ، وَكَذَا قَوْلُكَ: «مَنْ قَدِمَ مِنَ السَّفَرِ أَوْ بَعْضُ مَنْ مَرَّ بِنَا الْيَوْمَ» إِذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ يَفْهَمُهُ فَهُوَ غِيبَةٌ، وَكَذَا مَنْ يَفْهَمُ عَيْبَ الْغَيْرِ بِصِيغَةِ الدُّعَاءِ كَقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَبْتَلِنَا بِكَذَا، وَكَذَلِكَ قَدْ يُقَدِّمُ مَدْحَ مَنْ يُرِيدُ غِيبَتَهُ فَيَقُولُ: مَا أَحْسَنَ أَحْوَالَ فُلَانٍ، لَكِنِ ابْتُلِيَ بِمَا يُبْتَلَى بِهِ كُلُّنَا، وَهُوَ كَذَا فَيَذْكُرُ نَفْسَهُ، وَمَقْصُودُهُ أَنْ يَذُمَّ غَيْرَهُ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَذْكُرَ عَيْبَ إِنْسَانٍ فَلَا يَتَنَبَّهُ لَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ، فَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعْجَبَ هَذَا حَتَّى يُصْغَى إِلَيْهِ وَيُعْلَمَ مَا يَقُولُ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَسْتَعْمِلُ اسْمَهُ آلَةً لَهُ فِي تَحْقِيقِ خُبْثِهِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ: سَاءَنِي مَا جَرَى عَلَى صَدِيقِنَا مِنَ الِاسْتِخْفَافِ بِهِ، فَيَكُونُ كَاذِبًا فِي دَعْوَى الِاغْتِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اغْتَمَّ بِهِ لَاغْتَمَّ بِإِظْهَارِ مَا يَكْرَهُهُ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ: ذَلِكَ الْمِسْكِينُ قَدْ بُلِيَ بِآفَةٍ عَظِيمَةٍ تَابَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ، وَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ يُظْهِرُ الدُّعَاءَ، وَاللَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى خُبْثِ ضَمِيرِهِ، وَخَفِيِّ قَصْدِهِ، وَهُوَ لِجَهْلِهِ لَا يَدْرِي أَنَّهُ قَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتٍ عَظِيمٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ الْإِصْغَاءُ إِلَى الْغِيبَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُظْهِرُ التَّعَجُّبَ لِيَزِيدَ نَشَاطُ الْمُغْتَابِ فِي الْغِيبَةِ فَيَنْدَفِعُ فِيهَا، وَكَانَ يَسْتَخْرِجُ الْغِيبَةَ مِنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَيَقُولُ: «عَجِيبٌ، مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ كَذَلِكَ، كُنْتُ أَحْسَبُ فِيهِ غَيْرَ هَذَا، عَافَانَا اللَّهُ مِنْ بَلَائِهِ» فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَصْدِيقٌ لِلْمُغْتَابِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْغِيبَةِ غِيبَةٌ، بَلِ السَّاكِتُ شَرِيكُ الْمُغْتَابِ، إِلَّا أَنْ يُنْكِرَ بِلِسَانِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ إِنْ خَافَ، وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى نَصْرِهِ، أَذَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ بِالْغَيْبِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَرُدَّ عَنْ عِرْضِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

الْأَسْبَابُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْغِيبَةِ:
مِنْهَا: التَّشَفِّي، وَذَلِكَ إِذَا جَرَى سَبَبٌ غَضِبَ بِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِذَا هَاجَ فَيَشْتَفِي بِذِكْرِ مَسَاوِئِهِ، فَسَبَقَ اللِّسَانُ إِلَيْهِ بِالطَّبْعِ إِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ دِينٌ وَازِعٌ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ تَشَفِّي الْغَيْظِ عِنْدَ الْغَضَبِ، فَيَحْتَقِنُ فِي الْبَاطِنِ فَيَصِيرُ حِقْدًا ثَابِتًا، فَيَكُونُ سَبَبًا دَائِمًا لِذِكْرِ الْمَسَاوِئِ، فَالْحِقْدُ وَالْغَضَبُ مِنَ الْبَوَاعِثِ الْعَظِيمَةِ عَلَى الْغِيبَةِ.
وَمِنْهَا: مُوَافَقَةُ الرُّفَقَاءِ وَمُسَاعَدَتُهُمْ عَلَى الْكَلَامِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا كَانُوا يَتَفَكَّهُونَ بِذِكْرِ الْأَعْرَاضِ، فَيَرَى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ أَوْ قَطَعَ الْمَجْلِسَ - اسْتَثْقَلُوهُ وَنَفَرُوا عَنْهُ، فَيُسَاعِدُهُمْ وَيَرَى ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 198
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست