responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 194
الِاسْتِهَانَةُ وَالتَّحْقِيرُ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِضِ، عَلَى وَجْهٍ يُضْحَكُ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِالْمُحَاكَاةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ. وَمَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى اسْتِحْقَارِ الْغَيْرِ، وَالضَّحِكِ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِهَانَةِ بِهِ، وَالِاسْتِصْغَارِ لَهُ، وَعَلَيْهِ نَبَّهَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ) [الْحُجُرَاتِ: 11] أَيْ لَا تَسْتَحْقِرْهُ اسْتِصْغَارًا؛ فَلَعَلَّهُ خَيْرٌ مِنْكَ، وَهَذَا إِنَّمَا يَحْرُمُ فِيهِ حَقُّ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ، فَأَمَّا مَنْ جَعَلَ نَفْسَهُ مَسْخَرَةً، وَرُبَّمَا فَرِحَ مِنْ أَنْ يُسْخَرَ بِهِ - كَانَتِ السُّخْرِيَةُ فِي حَقِّهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَرَحِ، وَقَدْ سَبَقَ مَا يُذَمُّ مِنْهُ وَمَا يُمْدَحُ، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ اسْتِصْغَارٌ يَتَأَذَّى بِهِ الْمُسْتَهْزَأُ بِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّحْقِيرِ وَالتَّهَاوُنِ، وَذَلِكَ تَارَةً بِأَنْ يَضْحَكَ عَلَى كَلَامِهِ إِذَا تَخَبَّطَ فِيهِ وَلَمْ يَنْتَظِمْ، أَوْ عَلَى أَفْعَالِهِ إِذَا كَانَتْ مُشَوَّشَةً، كَالضَّحِكِ عَلَى حِفْظِهِ، وَعَلَى صَنْعَتِهِ، أَوْ عَلَى صُورَتِهِ وَخِلْقَتِهِ لِعَيْبٍ فِيهِ، فَالضَّحِكُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي السُّخْرِيَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا.

الْآفَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: إِفْشَاءُ السِّرِّ:
وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِيذَاءِ وَالتَّهَاوُنِ بِحَقِّ الْمَعَارِفِ وَالْأَصْدِقَاءِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ» ، وَعَنْهُ: «الْحَدِيثُ بَيْنَكُمْ أَمَانَةٌ» ، فَإِفْشَاءُ السِّرِّ خِيَانَةٌ، وَهُوَ حَرَامٌ إِذَا كَانَ فِيهِ إِضْرَارٌ، وَلُؤْمٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِضْرَارٌ.

الْآفَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: الْوَعْدُ الْكَاذِبُ:
فَإِنَّ اللِّسَانَ سَبَّاقٌ إِلَى الْوَعْدِ، ثُمَّ النَّفْسُ رُبَّمَا لَا تَسْمَحُ بِالْوَفَاءِ، فَيَصِيرُ الْوَعْدُ خُلْفًا، وَذَلِكَ مِنْ أَمَارَاتِ النِّفَاقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [الْمَائِدَةِ: 1] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الْعِدَةُ عَطِيَّةٌ " وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ: (إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) [مَرْيَمَ: 54] . وَلَمَّا حَضَرَتْ " عبد الله بن عمر " الْوَفَاةُ قَالَ: " إِنَّهُ كَانَ خَطَبَ إِلَيَّ ابْنَتِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ كَانَ مِنِّي إِلَيْهِ شِبْهُ الْوَعْدِ، فَوَاللَّهِ لَا أَلْقَى اللَّهَ بِثُلُثِ النِّفَاقِ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهُ ابْنَتِي ".
وَعَنْ " عبد الله بن أبي الخنساء " قَالَ: " بَايَعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُبَيْلَ أَنْ يُبْعَثَ، وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ، فَوَاعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي مَكَانِهِ ذَلِكَ، فَنَسِيتُ يَوْمِي وَالْغَدَ، فَأَتَيْتُهُ الْيَوْمَ الثَّالِثَ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ، فَقَالَ: " يَا فَتَى لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيَّ، أَنَا هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثٍ أَنْتَظِرُكَ ".
وَكَانَ " ابْنُ مَسْعُودٍ " لَا يَعِدُ وَعْدًا إِلَّا وَيَقُولُ: " إِنْ شَاءَ اللَّهُ "، وَهُوَ الْأَوْلَى، ثُمَّ إِذَا فَهِمَ مَعَ ذَلِكَ الْجَزْمِ فِي الْوَعْدِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْوَفَاءِ إِلَّا أَنْ يُتَعَذَّرَ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْوَعْدِ عَازِمًا عَلَى أَنْ لَا يَفِيَ فَهَذَا هُوَ النِّفَاقُ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ " وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خُلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خُلَّةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 194
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست