responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 131
وَإِظْهَارِ الْفَرَحِ وَقَبُولِ الْمِنَّةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: «وَإِذَا اسْتَقْضَيْتَ أَخَاكَ حَاجَةً فَلَمْ يَقْضِهَا فَذَكِّرْهُ ثَانِيَةً فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَسِيَ، فَإِنْ لَمْ يَقْضِهَا فَكَبِّرْ عَلَيْهِ» وَاقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ: (وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ) [الْأَنْعَامِ: 36] . وَكَانَ فِي السَّلَفِ مَنْ يَتَفَقَّدُ عِيَالَ أَخِيهِ وَأَوْلَادَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَقُومُ بِحَاجَتِهِمْ يَتَرَدَّدُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَيْهِمْ وَيَمُونُهُمْ مِنْ مَالِهِ فَكَانُوا لَا يَفْقِدُونَ مِنْ أَبِيهِمْ إِلَّا عَيْنَهُ، بَلْ كَانُوا يَرَوْنَ مِنْهُمْ مَا لَمْ يَرَوْا مِنْ أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ. وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَتَرَدَّدُ إِلَى بَابِ دَارِ أَخِيهِ يَقُومُ بِحَاجَتِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ أَخُوهُ وَبِهَذَا تَظْهَرُ الشَّفَقَةُ. وَالْأُخُوَّةُ إِذَا لَمْ تُثْمِرِ الشَّفَقَةَ حَتَّى يُشْفِقَ عَلَى أَخِيهِ كَمَا يُشْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهَا. وَقَالَ «مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ» : «مَنْ لَمْ تَنْتَفِعْ بِصَدَاقَتِهِ لَمْ تَضُرَّكَ عَدَاوَتُهُ» . وَبِالْجُمْلَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ حَاجَةُ أَخِيكَ مِثْلَ حَاجَتِكَ أَوْ أَهَمَّ مِنْ حَاجَتِكَ، وَأَنْ تَكُونَ مُتَفَقِّدًا لِأَوْقَاتِ الْحَاجَةِ غَيْرَ غَافِلٍ عَنْ أَحْوَالِهِ كَمَا لَا تَغْفُلُ عَنْ أَحْوَالِ نَفْسِكَ، وَتُغْنِيهِ عَنِ السُّؤَالِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ، وَلَا تَرَى لِنَفْسِكَ حَقًّا بِسَبَبِ قِيَامِكَ بِهَا بَلْ تَتَقَلَّدُ مِنَّةً بِقَبُولِ سَعْيِكَ فِي حَقِّهِ وَقِيَامِكَ بِأَمْرِهِ. وَقَالَ «عطاء» : «تَفَقَّدُوا إِخْوَانَكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَإِنْ كَانُوا مَرْضَى فَعُودُوهُمْ أَوْ مَشَاغِيلَ فَأَعِينُوهُمْ أَوْ كَانُوا نَسُوا فَذَكِّرُوهُمْ» . وَقَالَ «سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ» : «لِجَلِيسِي عَلَيَّ ثَلَاثٌ: إِذَا دَنَا رَحَّبْتُ بِهِ، وَإِذَا حَدَّثَ أَقْبَلْتُ عَلَيْهِ، وَإِذَا جَلَسَ أَوْسَعْتُ لَهُ» . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الْفَتْحِ: 29] إِشَارَةً إِلَى الشَّفَقَةِ وَالْإِكْرَامِ. وَمِنْ تَمَامِ الشَّفَقَةِ أَنْ لَا يَنْفَرِدَ بِطَعَامٍ لَذِيذٍ أَوْ بِحُضُورٍ فِي مَسَرَّةٍ دُونَهُ، بَلْ يَتَنَغَّصُ لِفِرَاقِهِ وَيَسْتَوْحِشُ بِانْفِرَادِهِ عَنْ أَخِيهِ.

الْحَقُّ الثَّالِثُ فِي اللِّسَانِ:
وَذَلِكَ بِالسُّكُوتِ مَرَّةً وَبِالنُّطْقِ أُخْرَى. أَمَّا السُّكُوتُ فَهُوَ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ ذِكْرِ عُيُوبِهِ فِي غَيْبَتِهِ وَحَضْرَتِهِ بَلْ يَتَجَاهَلُ عَنْهُ وَيَسْكُتُ عَنِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فِيمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ وَلَا يُمَارِيهِ وَلَا يُنَاقِشُهُ، وَأَنْ يَسْكُتَ عَنِ التَّجَسُّسِ وَالسُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِهِ، وَإِذَا رَآهُ فِي طَرِيقٍ أَوْ حَاجَةٍ لَمْ يُفَاتِحْهُ بِذِكْرِ غَرَضِهِ مِنْ مَصْدَرِهِ وَمَوْرِدِهِ وَلَا يَسْأَلُ، فَرُبَّمَا يَثْقُلُ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَكْذِبَ فِيهِ، وَلْيَسْكُتْ عَنْ أَسْرَارِهِ الَّتِي بَثَّهَا وَلَا يَبُثُّهَا إِلَى غَيْرِهِ الْبَتَّةَ وَلَا إِلَى أَخَصِّ أَصْدِقَائِهِ، وَلَا يَكْشِفُ شَيْئًا مِنْهَا وَلَوْ بَعْدَ الْقَطِيعَةِ وَالْوَحْشَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ لُؤْمِ الطَّبْعِ وَخُبْثِ الْبَاطِنِ، وَأَنْ يَسْكُتَ عَنِ الْقَدْحِ فِي أَحْبَابِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَأَنْ يَسْكُتَ عَنْ حِكَايَةِ قَدْحِ غَيْرِهِ فِيهِ، فَإِنَّ الَّذِي سَبَّكَ مَنْ بَلَّغَكَ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْفِيَ مَا يَسْمَعُ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَإِنَّ السُّرُورَ أَوَّلًا بِهِ يَحْصُلُ مِنَ الْمُبَلِّغِ لِلْمَدْحِ ثُمَّ مِنَ الْقَائِلِ، وَإِخْفَاءُ ذَلِكَ مِنَ الْحَسَدِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلْيَسْكُتْ عَنْ كُلِّ كَلَامٍ يَكْرُهُهُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا إِلَّا إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ النُّطْقُ فِي أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ وَلَمْ يَجِدْ رُخْصَةً فِي السُّكُوتِ، فَإِذْ ذَاكَ لَا يُبَالِي بِكَرَاهَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ إِحْسَانٌ إِلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ يُظَنُّ أَنَّهَا إِسَاءَةٌ فِي الظَّاهِرِ، أَمَّا ذِكْرُ مَسَاوِئِهِ

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 131
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست