responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 129
سَدَّهَا. اصْحَبْ مَنْ إِذَا سَأَلْتَهُ أَعْطَاكَ، وَإِنْ سَكَتَّ ابْتَدَاكَ، وَإِنْ نَزَلَتْ بِكَ نَازِلَةٌ وَاسَاكَ، اصْحَبْ مَنْ إِذَا قُلْتَ صَدَّقَ قَوْلَكَ، وَإِنْ حَاوَلْتَ أَمْرًا آمَرَكَ، وَإِنْ تَنَازَعْتُمَا آثَرَكَ» . قَالَ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
إِنَّ أَخَاكَ الْحَقَّ مَنْ كَانَ مَعَكَ ... وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَكَ
وَمَنْ إِذَا رَيْبُ زَمَانٍ صَدَّعَكَ ... شَتَّتَ فِيهِ شَمْلَهُ لِيَجْمَعَكَ
وَقَالَ «أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ» رَحِمَهُ اللَّهُ: «لَا تَصْحَبْ إِلَّا أَحَدَ رَجُلَيْنِ: رَجُلًا تَرْتَفِقُ بِهِ فِي أَمْرِ دُنْيَاكَ أَوْ رَجُلًا تَزِيدُ مَعَهُ وَتَنْتَفِعُ بِهِ فِي أَمْرِ آخِرَتِكَ، وَالِاشْتِغَالُ بِغَيْرِ هَذَيْنِ حُمْقٌ كَبِيرٌ، وَأَمَّا الْحَرِيصُ عَلَى الدُّنْيَا فَصُحْبَتُهُ سُمٌّ قَاتِلٌ؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ مَجْبُولَةٌ عَلَى التَّشَبُّهِ وَالِاقْتِدَاءِ، بَلِ الطَّبْعُ يَسْرِقُ مِنَ الطَّبْعِ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي صَاحِبُهُ، فَمُجَالَسَةُ الْحَرِيصِ عَلَى الدُّنْيَا تُحَرِّكُ الْحِرْصَ، وَمُجَالَسَةُ الزَّاهِدِ تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا، فَلِذَلِكَ تُكْرَهُ صُحْبَةُ طُلَّابِ الدُّنْيَا وَتُطْلَبُ صُحْبَةُ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ، قَالَ» لقمان «لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ جَالِسِ الْعُلَمَاءَ وَزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْكَ فَإِنَّ الْقُلُوبَ لَتَحْيَا بِالْحِكْمَةِ كَمَا تَحْيَا الْأَرْضُ الْمَيِّتَةُ بِوَابِلِ الْمَطَرِ» .

حُقُوقُ الْأُخُوَّةِ وَالصُّحْبَةِ:
اعْلَمْ أَنَّ لِأَخِيكَ عَلَيْكَ حَقًّا فِي الْمَالِ، وَفِي الْإِعَانَةِ بِالنَّفْسِ، وَفِي اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، وَفِي الْعَفْوِ، وَفِي الدُّعَاءِ، وَفِي الْوَفَاءِ وَالْإِخْلَاصِ، وَفِي التَّخْفِيفِ، وَفِي تَرْكِ التَّكَلُّفِ وَالتَّكْلِيفِ وَذَلِكَ يَجْعَلُهَا ثَمَانِيَ جُمَلٍ.

الْحَقُّ الْأَوَّلُ فِي الْمَالِ:
رُوِيَ أَنَّ " مَثَلَ الْأَخَوَيْنِ مَثَلُ الْيَدَيْنِ تَغْسِلُ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى " وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَتَعَاوَنَانِ عَلَى غَرَضٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْأَخَوَانِ إِنَّمَا تَتِمُّ أُخُوَّتُهُمَا إِذَا تَرَافَقَا فِي مَقْصِدٍ وَاحِدٍ فَهُمَا مِنْ وَجْهٍ كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْمُسَاهَمَةَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالْمُشَارَكَةَ فِي الْمَآلِ وَالْحَالِ، وَارْتِفَاعَ الِاخْتِصَاصِ وَالِاسْتِئْثَارِ.
وَالْمُوَاسَاةُ بِالْمَالِ مَعَ الْأُخُوَّةِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ:
أَدْنَاهَا: أَنْ تُنْزِلَهُ مَنْزِلَةَ خَادِمِكَ فَتَقُومَ بِحَاجَتِهِ مِنْ فَضْلَةِ مَالِكَ، فَإِذَا سَنَحَتْ لَهُ حَاجَةٌ وَكَانَتْ عِنْدَكَ فَضْلَةٌ عَنْ حَاجَتِكَ أَعْطَيْتَهُ ابْتِدَاءً وَلَمْ تُحْوِجْهُ إِلَى السُّؤَالِ، فَإِنْ أَحْوَجْتَهُ إِلَى السُّؤَالِ فَهُوَ غَايَةُ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الْأُخُوَّةِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ تُنْزِلَهُ مَنْزِلَةَ نَفْسِكَ وَتَرْضَى بِمُشَارَكَتِهِ إِيَّاكَ فِي مَالِكَ وَنُزُولِهِ مَنْزِلَتَكَ حَتَّى تَسْمَحَ بِمُشَاطَرَتِهِ فِي الْمَالِ.
وَالثَّالِثَةُ: هِيَ الْعُلْيَا أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ وَتُقَدِّمَ حَاجَتَهُ عَلَى حَاجَتِكَ، وَهَذِهِ رُتْبَةُ الصِّدِّيقِينَ وَمُنْتَهَى رُتْبَةِ الْمُتَحَابِّينَ، وَمُنْتَهَى هَذِهِ الرُّتْبَةِ الْإِيثَارُ بِالنَّفْسِ أَيْضًا.
فَإِنْ لَمْ تُصَادِفْ نَفْسَكَ فِي رُتْبَةٍ مِنْ هَذِهِ الرُّتَبِ مَعَ أَخِيكَ فَاعْلَمْ أَنَّ عَقْدَ الْأُخُوَّةِ لَمْ يَنْعَقِدْ بَعْدُ فِي الْبَاطِنِ، وَإِنَّمَا

اسم الکتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : القاسمي، جمال الدين    الجزء : 1  صفحة : 129
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست