اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 217
هذه الحيوية المتحركة التي ملأت قلب محمد صلى الله عليه وسلم -وتملأ كل قلب وهب نفسه لهذه العقيدة على مدار التاريخ- جعلته يتحرك في واقع الأرض لبث الدعوة في نفوس أفراد آخرين، ليمتلئوا بالفكرة كما امتلأ، وليتحركوا في واقع الأرض كما تحرك. أي: جعلته يتحرك لإنشاء المجتمع المسلم الذي تعيش فيه الفكرة. ويكون هو التحقيق العملي لها في واقع الحياة.
ثم تأخذ الدعوة دورتها. فيتكون المجتمع المسلم الذي ينشئ الأفراد على أخلاقه وتقاليده, ومناهج سلوكه ومناهج تفكيره، فيكون المحضن الدائم الذي يفرخ في عشه كل جيل جديد. ويتحول الهدف الأول وسيلة لتحقيق الهدف ذاته، كما يتداخل كل جيل في الجيل الذي قبله والجيل الذي يليه.
ومنذ تلك اللحظة التاريخية أصبح المجتمع المسلم حقيقة واقعة، وأخذ دوره في التاريخ.
ولكنه -مع ذلك- لا يستقيم دائمًا على النهج، ولا يسير في طريقه القويم.
وقد كانت آخر نكسة أصابته على يد الغزو الصليبي في القرنين الأخيرين، حين أحس بالهزيمة من داخل روحه، فراح يسلم حصونه وقلاعه واحدة إثر واحدة، ويفرط في مقدساته الفكرية والروحية، ويتخلى عن مقومات وجوده.
حين ذلك انهار المجتمع المسلم وأصبح في حاجة إلى إعادته من جديد! {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} .
كما نشأ المجتمع المسلم في الجاهلية الجاهلة المتعنتة المعاندة الجافية، كذلك ينشأ المجتمع المسلم في كل جاهلية تمر بالبشر على مدار التاريخ، وكذلك ينشأ في الجاهلية الجديدة التي يعيش فيها البشر في هذا القرن العشرين.
والمجتمع المسلم على أي حال ضرورة لازمة للتربية الإسلامية.
فالجهد الذي يبذل في تنشئة أفراد المسلمين، عرضة -كما أسلفنا- لأن يضيع كله هباء حين لا يوجد المجتمع المسلم، أو حين يوجد المجتمع الذي يعادي الفكرة ويعمل على تحطيمها.
أنت تربي ابنك أو ابنتك على أخلاق معينة تستوحيها من كتاب الله وسنة رسوله، ومن تقاليد المجتمع المسلم التي تقرأ عنها وتتصورها، ومن مفهوم
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 217