اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 211
كانت التربية هي الصبر على الأذى. وقيام الليل للتجرد لله.. لعبادته وحده في ناشئة الليل: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [1].
وقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه يقومون الليل يتعبدون ويتهجدون ويتعلمون التجرد الكامل لله حولًا كاملًا حتى تورمت أقدامهم وتشققت، فأنزل الله عليهم: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [2].
فما علم المربي الرحيم أن هذه النفوس المؤمنة الصابرة قد تجردت له، واهتدت بهديه، وتربت على طاعته، ولم يعد لها وجود إلا الوجود الذي يريده لها الله، مطمئنة في ذات الوقت أنه الوجود الأرفع والأسمى، الذي يحقق أرفع ما في كيان الإنسان.. عندئذ أذن للمؤمنين في الهجرة، ثم أذن لهم بإنشاء دولة لهم في المدينة تقوم على أساس تقوى الله وتستمد من شريعة الله. وتدافع عن كيانها بكل القوة المتاحة لهم حينذاك.
لم يكن الأمر كما يبدو من ظاهره أمر ضعف المسلمين في مكة وقوتهم في المدينة ... فقد كان المسلمون -على ضعفهم في مكة- يملكون كما أسلفنا أن يتصرفوا تصرف العرب في الجاهلية. كما أن المربي -في المدينة- كان يمكن أن يكلهم إلى قوتهم، ويتركهم يتصرفون بوحي هذه القوة دون توجيه!
ولكن الذي حدث لم يكن كذلك! لقد كانت التربية بالأحداث في عهد القوة في المدينة قوية صارمة كما كانت في مكة؛ تهدف إلى الهدف ذاته: تخليص النفوس من أدرانها وتعلقاتها، وتجريدها خالصة لله: [1] سورة المزمل 6. [2] سورة المزمل 20.
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 211