اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 196
وقد كان أمرًا طبيعيًّا أن تكون القصة في القرآن "موجهة" خاضعة للأغراض الدينية التي جاءت لتحقيقها. فليس القرآن كتاب قصص في أصله، وإنما هو كتاب تربية وتوجيه. ولكن الدقة في الأداء، ومراعاة القواعد الفنية فيه, يجعل القصة -مع خضوعها للغرض الديني- طليقة من الوجهة الفنية. ويجعل استخدام القصص للتربية -على إطلاقها- جزءًا من منهج التربية الإسلامية. بشرط واحد: هو أن تكون "نظيفة".
وليس المقصود بالنظافة أن تعرض النفس البشرية بيضاء من غير سوء! صحيح أن القرآن يختار من نفس "بطل القصة" اللقطة المترفعة المستعلية النظيفة الرائقة الشفيفة، التي تصلح للقدوة، وتغري بالارتفاع. ويختار من نفوس المنحرفين اللقطة التي تصور سواد قلوبهم وسوء انحرافهم، لتصلح للتنفير من أفعالهم. والاعتبار بمصائرهم -وهذا منطقي مع أهدافه، فضلًا على أنه كله حقائق- إلا أنه في لقطات أخرى، وخاصة في القصص الطويلة التي تتسع للعرض والتحليل، يعرض النفس البشرية كاملة، بل ما فيها من لحظات "الضعف البشري" كل ما هنالك أنه لا يصنع كما تصنع الفنون "الواقعية! " الحديثة، المتأثرة بالتفسير الحيواني للإنسان، ولا يجعل من لحظة الضعف بطولة تستحق الإعجاب والتصفيق والتهليل! إنه يعرضها عرضًا "واقعيًّا" خالصًا، ولكنه لا يقف عندها طويلًا، وإنما يسرع ليسلط الأنوار على لحظة الإفاقة.. لحظة التغلب على الضعف البشري، لأنها هي الجديرة فعلًا بتسليط الأنوار عليها. وهي في حقيقتها هي "الإنسان" الذي كرمه الله وفضله على كثير من الخلق، وعهد إليه بالخلافة الراشدة في هذه الأرض.
فهو إذ يعرض الفتنة التي وقع فيها سليمان أو داود أو يوسف أو موسى ... إلخ يعرض لحظة الضعف كما هي بلا "رتوش". إنها فتنة, إنها ضعف. إنها خضوع لدافع من دوافع النفس الفطرية. ولكنها -على واقعيتها- لا تستحق الاحتفال! إلا من جانب واحد. هو أن الإنسان يفيء منها إلى نفسه. ويعرف أنها كانت لحظة ضعف. فيرتفع عنها. وينيب إلى الله.
{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ، إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 196