responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 169
في الإنسان ميل للالتزام. ميل لأن يلتزم بأشياء معينة وينفذها. ولو وجد نفسه طليقًا من كل التزام خارجي لفرض على نفسه أمورًا معينة والتزم بها.. إرضاء لما في طبيعته من ميل للالتزام! ومن ثم فالفوضى المطلقة لا وجود لها، ولا يمكن أن توجد. لأنها ليست جزءًا من طبيعة الإنسان!
ومع عمق هذا الميل للالتزام في الطبع البشري، فإن فيه إلى جانب ذلك ميلًا للإحساس بأنه غير ملتزم! وأنه يؤدي الأشياء لأنه هو يريد أن يؤديها، لا لأنها مفروضة عليه!
كلا الخطين أصيل وعميق. وكلاهما يؤدي دوره في فطرة النفس وواقع الحياة.
وقد كان الميل للالتزام هو الأساس التي قامت عليه "الحكومة" في النظم البشرية، كما قامت عليه كل التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ... إلخ. الناس يحبون أن يلتزموا بنظام معين، ويختارون شخصًا أو هيئة من الأشخاص يولونهم أمر الإشراف على ذلك الالتزام. فتقوم "الجماعة" وتقوم "الدولة" وتقوم غيرها من النظم والمؤسسات.
وقد كان الميل للشعور بعدم الالتزام هو أساس الإبداع البشري والتقدم الدائم إلى الأمام. يحب الناس أن ينطلقوا من التزاماتهم، أو أن يشعروا بأنها ليست التزامًا بل إرادة ذاتية. وفي كلتا الحالتين تحدث "حركة" في النفس والمجتمع.
وهذان الخطان -على أنهما فطريان- ينحرفان كما ينحرف كل شيء في الفطرة حين تفقد اتصالها بالسنن العامة، وتفقد "وعيها" الصحيح بالأمور.
يفسد الخط الأول فيصبح الالتزام عبودية للنظام، أو لبشر من البشر، أو لعادة من عادات النفس، أو لتقليد من تقاليد المجتمع، لا يملك الإنسان أن يتحرر منه أو يشعر إزاءه بوجوده المتميز.
ويفسد الخط الثاني فيصبح الخروج من الالتزام فوضى بلا حدود ولا ضابط إلا أهواء النفوس وشهوات الأجساد. وعندئذ يصبح "التحرر" الظاهري من الالتزام هبوطًا في الواقع وعبودية للشهوات.
وكثيرًا ما يحدث الانتكاسان في النفس الواحدة، "فتلتزم" للنظام أو الدولة أو لفرد من الأفراد، و"تتحرر" من قيود الأخلاق وهواتف الضمير.

اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 169
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست