فمن راءى راءى الله به، ومن سمّع سمّع الله به، قال بعض العلماء في معنى الحديث: إن الله يقيمه على رؤوس الأشهاد ويقول: هذا فلان ابن فلان الذي راءى الناس، فَيرى الناسُ ذلته وحقارته في ذلك الموضع -والعياذ بالله-، نسأل الله عز وجل ألَّا يجعلنا ذلك الرجل. وأما في الدنيا فلا يؤمن عليه من مكر الله، يستدرجه في تحصيل العلم، حتى إذا حصّل علماً كثيراً، صرف قلوب الناس عنه -والعياذ بالله-، لا تجد من يرتاح لعلمه، ولا من يرتاح للتعلم على يديه، قد نفرت القلوب من كلامه وأسلوبه، وكست الظلمة مجلسه ووجهه، وهذا من عاجل مكر الله لمن راءى في علمه. نسأل الله السلامة والعافية.
ومن إمارات وعلامات المماراة والمجادلة للعلماء: أن تجد طالب العلم إذا ذكرت أمامه مسألة يُشكك ويعترض، ويقول: هذا لا يستقيم، هذا لا يصير، هذا كذا، هذا كذا، وهو لم يفقه بعد، ولم يراجع المسألة، ويعرف وجه مأخذ العالم ودليله.
ولذلك قالوا: من كان ديدنه مجادلة العلماء لم يأمن أن يرد آية أو حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهلك، ناهيك عن محق بركة علمه.
ولذلك ذكروا في ترجمة أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف [1] [107] ) رحمه الله، وكان وعاءً من أوعية العلم في الحديث والفقه، حتى كانت له اجتهادات انفرد بها، هذا العالم -رحمة الله عليه-، كاد أن يكون مغموراً ولم يشتهر علمه، والسبب -كما ذكره من ترجم له- أنه كان كثير الاعتراض والتعنت لابن عباس رضي الله عنهما. [1] 107] ) عن الزهري قال: (كان أبوسلمة يماري ابن عباس، فحرم بذلك علماً كثيراً) . مختصر جامع بيان العلم (ص:65) ، وتذكرة السامع والمتكلم في آداب العالِم والمتعلم، لابن جماعة -رحمة الله على الجميع- (ص:171) .