المَعْلَمْ الثالث: عدم الاستعجال في النزول للساحة
فإطالة الوقت في الطلب فيها خير كثير للطالب، والذي أضر الكثيرين خروجهم إلى الساحة، ولما يأخذوا قسطاً من كمال العلم فأضرَّوا باستعجالهم، ولم يثق الناس بعلمهم، وفي الحكمة: (حب الظهور قصم الظهور) .
وكان العلماء -رحمة الله عليهم- يعنون بإطالة الزمن في الطلب [1] [80] ) . وفي أبيات الشافعي المشهورة ما يؤيد أن من شروط نيل العلم طول الزمن في الطلب [2] [81] ) :
أخي لن تنالَ العلمَ إلا بستةٍ ... سأنبيكَ عن تفصيلها ببيانِ
ذكاءٌ وحرصٌ واجتهادٌ وبُلغةٌ ... وصحبةُ أستاذٍ وطول زمانِ
وهذا الإمام عبد الله بن وهب من أصحاب الإمام مالك -رحمة الله على الجميع- تفقه على الإمام مالك خمسة وعشرين سنة.. ربع قرن، سبحان الله، ونحن نستكثر ثلاث سنوات في كتاب معين [3] [82] ) .
والمنهج الذي تعلمت عليه هو إطالة الوقت في زمن الطلب.
أذكر أني قرأت سنن الترمذي على الوالد -رحمة الله عليه- في أربع سنوات، في كل ليلة درس، وصحيح مسلم في ست سنوات، في كل ليلة درس، ما عدا يومي الثلاثاء والجمعة، والموطأ في ثلاث سنوات ونصف، وصحيح البخاري ابتدأت مع الوالد واستمريت معه أكثر من عشر سنوات، وتوفي رحمه الله ولم أكمله عليه. [1] 80] ) قال الإمام مالك رحمه الله: كان الرجل يختلف إلى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه. وقال الحافظ محمد بن جعفر الكرابيسي الملقب بغُنْدَر رحمه الله: لزمتُ شعبة عشرين سنة. [2] 81] ) ديوان الإمام الشافعي رحمه الله بتعليق الزعبي ط. الثالثة (ص:81) . [3] 82] ) من دروس شرح بلوغ المرام، للشيخ محمد -حفظه الله-.