كم من عالم مليء بالعلم شانته أخلاقه، وشانته تصرفاته، وشانه سمته ودله، لا يخاف الله في كلامه، ولا يراقب الله في منطقه، يتتبع عورات المسلمين، ويثلب عباد الله المتقين، فالحذر الحذر أن تغتر من العالم بكثرة علمه دون أن يكون عنده ورع يمسك بزمام لسانه عن أن يقول على الله ما لا علم له، وقد كان العلماء –رحمهم الله- يختبرون الأئمة، يختبرونهم بالسؤال عمن لا علم لهم به، فإن وجدوهم وقّافين عن حدود الله، وقّافين عند محارم الله، أحبوهم ورضوهم في أخذ العلم عنهم.
الثانية: أن يكون صالح السيرة، حافظاً يحفظ عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكما أن الأعمى لا يقود الأعمى، فكذلك الجاهل لا يقود الجاهل، لذلك ينبغي للإنسان أن يبحث عن هذا الصنف العالم المتمكن في علمه، المتمكن في فنّه، فمثل هذا حجة، وكفى به حجة.
إذا وجدت هذا العالم، فلا يخلو من حالتين:
أ- إما أن يكون في بلدك.
ب- وإما أن يكون في غير بلدك.
أ- فإن كان في بلدك: فاحرص مجالسه، واحرص على زيارته، فمن صفات طلاب العلم أنهم يحبون العلماء، وأنهم على صلة بأهل العلم والفضل، فلا يعرف الفضل لأهله إلا أهل الفضل، فاقبل عليه، واثبت عنده، ولذلك قالوا في الحكمة: من ثبت نبت، والمراد بالثبات: أن تلزم العالم وأن تأخذ عنه، وأن تحرص على الفائدة التي عنده، ولذلك قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: ثبتُ عند حماد بن أبي سليمان فنبتُّ، وقد عرَف السلف الصالح هذا الثبات، والذي ضرّ كثيراً من طلاب العلم في هذا الزمان أنهم لا يثبتون عند العلماء.
لذلك انظر في حال السلف، فعبد الله بن عباس رضي الله عنهما أخذ عنه عكرمة، وأخذ عنه مجاهد، ومكحول الشامي، وطاوس.