اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 74
وقالت أيضاً ما ألفيته السحر الأعلى إلا نائماً تعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي الخبر الآخر كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أوتر من آخر الليل اضطجع على شقه الأيمن ضجعة حتى يأتيه بلال فيخرج معه إلى الصلاة فقد كان السلف يستحبون هذه الضجعة بعد الوتر وقبل صلاة الصبح حتى قال بعضهم فهي سنة - منهم أبو هريرة ومروان - والنوم من آخر الليل وفي الثلث الأخير مزيد لأهل المشاهدة والحضور لأنه كشف لهم من الملكوت واستماع العلوم من الجبروت وهو راحة وسكن للعمال وأهل المجاهدة ولذلك حظرت الصلاة بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر ليستريح عمال الله عزّ وجلّ وأهل أوراد الليل والنهار فيهما، والنوم من آخر الليل هو نقصان لأهل السهو والغفلة من حيث كان مزيداً لأهل الشهود واليقظة لأنه آخر خدمة أولئك ففيه راحتهم وهو تطاول النوم والغفلة بهؤلاء فهو نقصهم وليفصل العبد في تضاعيف صلاة الليل بجلوس يسبح فيه مائة تسبيحة فذلك ترويح له وعون على الصلاة وهو داخل في قوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) سورة ق: 40، أي أعقاب الصلاة في أحد الوجهين على قراءة من نصب وإن أراد المزيد أحيا الوردين اللذين من أوّل الليل أحدهما بين العشاءين والثاني قبل نومة الناس فإن إحياء هذين الوردين عند بعض العلماء أفضل من صيام يوم ثم ليقم الورد الرابع وهو ما بين الفجرين وهو أوّل ثلث الليل الأخير أو الورد الخامس وهو السحر الخير قبل طلوع الفجر الثاني وهو يصلح للقراءة والاستغفار إن كان لم يعتد للقيام في جوف الليل، وفي خبر أبي موسى ومعاذ لما التقيا قال معاذ لأبي موسى: كيف تصنع في قيام الليل؟ قال: أقومه أجمع لا أنام منه شيئاً وأتفوّق القرآن فيه تفوقاً، قال معاذ: لكني أنام ثم أقوم وأحتسب في نومتي ما أحتسب في قومتي، فذكرا ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لأبي موسى: معاذ أفقه منك، وقد كان بعضهم لا ينام حتى يغلبه النوم، وكان بعض السلف يقول: هي أوّل نومة فإن انتبهت ثم عدت إلى نومة أخرى فلا أنام الله عينيّ، وسئل فزارة الشامي عن وصف الأبدال وكانوا يظهرون له فقال أكلهم فاقة ونومهم غلبة وكلامهم ضرورة وصمتهم حكمة وعلمهم قدرة، وقيل لآخر صف لنا الخائفين، فقال: أكلهم أكل المرضى ونومهم نوم الغرقى ولا يدع العبد أن يقوم مقدار خمس الليل أو سدسه وهو ورد من أوراد الليل أو وردان على اختلافهما في الطول والقصر متفرقاً كان قيامه أو متصلاً وأي ورد أحياه من الليل بأي نوع من الأذكار فقد دخل في أهل الليل وله معهم نصيب ومن أحيا أكثر ليلته أو نصفها كتب له إحياء جميعها وتصدق عليه بما بقي منها، ومن صلّى في ليلة عشرين ركعة وأوتر بعدها بثلاث حسب له كأنه أحياها بفضل الله ورحمته، وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوم ليلة نصف الليل وليلة ثلثه وليلة ثلثيه وذلك مذكور في أوّل الآيتين من قيام الليل في سورة المزمّل وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوم ليلة نصف الليل ونصف سدسه معه ويقوم
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 74