responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 444
من ضعف قلوب الصوفيين هو قد زهد في الدنيا ما عليه من أخذها، فأراد أبو سليمان منه حقيقة الرضا بجريان الأحكام وأراد مالك من نفسه حقيقة الزهد بأن يصرف عن قلبه الاهتمام.
وقال بعض العلماء: الدنيا هو العمل بالرأي والمعقول، والزهد إنما هو اتباع العلم ولزوم السنّة، وهذه طريقة أهل الحديث، وهذا القول من الظواهر يشبه قول علماء الظاهر، كما روينا عن سفيان قال: قالوا للزهري: ما الزهد؟ قال: ما لا يغلب الحرام صبره ولا يمنع الحلال شكره يعني أين يكون العبد صابراً عن الحرام حتى لا تغلبه شهوة الحرام ويكون شاكراً في الحلال حتى لا يغلبه الحلال فيشغله عن الشكر، وأما الحسن فإنه قال: الزاهد هو الذي إذا رأى أحداً قال: هذا أفضل مني، فذهب إلى أن الزهد هو التواضع، وكان الفضيل يقول: القناعة هو الزهد، وقال أبو سليمان: الورع هو أوّل الزهد، وقال أحمد ابن أبي الحواري قلت: لأبي هشام المغازلي أيّ شيء الزهد قال: قطع الآمال وإعطاء المجهود وخلع الراحة، وكان يوسف بن أسباط يقول: من صبر على الأذى وترك الشهوات وأكل الخبز من حلاله فقد أخذ بأصل الزهد، وقال أحمد: قلت لأبي صفوان الرعيني: ما الدنيا التي ذمّها الله تعالى في القرآن وينبغي للعاقل أن يجتنبها؟ قال: كلّ ما عملت في الدنيا تريد به الدنيا فهو مذموم، وكل ما أصبت فيها تريد به الآخرة فليس منها، فحدثت به مروان فقال: الفقه ما قال أبو صفوان إنما قال ذلك لأن الدنيا كل ّ شيء إلا الإخلاص، فما وافق العلم فهو مباح وما خلفه فهوى، والهوى حظّ النفس، الإخلاص حظّ الربّ عزّ وجلّ فالمخلصون بيّنة الله عزّ وجلّ من عباده على عدوّه، وهم أهل الآخرة في الدنيا، وكان ابن السماك يقول: الزاهد قد خرجت الأفراح والأحزان من قلبه، فهو لا يفرح بشيء من الدنيا أتاه ولا يحزن على شيء منها، فإنه لا يبالي على عسر أصبح أم على يسر.
وقال أبو سعيد بن الأعرابي عن أشياخه الصوفية: إنما الزهد عندهم خروج قدر الدنيا من القلب إذ هي لا شيء ولا يكون في نفسه زاهداً لأنه لم يترك شيئاً إذ كانت لا شيء، وهذا لعمري هو الزهد في الزهد لأنه زهد، ثم لم ينظر إلى زهده فزهده إذ لم يرَ شيئاًً لأنه زهد في لا شيء وهذا يشبه ما نقول: إن حقيقة الزهد هو الزهد في النفس لأنه قد يزهد في الدنيا لنفسه طلباً للعوض فيكون ذلك رغبة على صفة، فإذا زهد في النفس التي يريد لها الأعواض على الزهد فهو حقيقة الزهد وهذا يشبه قول من قال: إن حقيقة الزهد في الفناء هو الزهد في البقاء لأن العبد ربما زهد في الفناء فلم يزهد في البقاء فيكون فيه بقية من الرغبة فإذا زهد في البقاء فهو حقيقة الزهد في الفناء إذ كان الفناء يراد للبقاء.

فصل آخر

اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 444
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست