اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 405
وروينا في الخبر: آخر الأنبياء دخولاً الجنة سليمان بن داود لمكان ملكه وآخر أصحابي دخولاً الجنة عبد الرحمن بن عوف لأجل غناه في الدنيا وفي الخبر الآخر رأيته يدخل الجنة زحفًا ولا نعلم في الأمة أفضل من طائفتين؛ المهاجرون وأهل الصفة وجميعًا مدح الله تعالى بالفقر، فقال (للفقراء المهاجرين الذين أحصروا في سبيل الله) البقرة: 372 (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم) الحشر: 8 فقدم وصفهم بالفقر على أعمالهم الهجرة والحصر، والله تعالى لا يمدح من يحبّ إلا بما يحبّ ولا يصفه حتى يحبه.
وروينا في قوله تعالى: (وَجَعَلْناهُمْ أَئمَةً يَهْدُونَ بِأمْرِنا) الأنبياء: 73 لما صبروا قيل: عن الدنيا، وفي خبر: العلماء أمناء الرسل مالم يدخلوا في الدنيا فإذا دخلوا في الدنيا فاحذروهم على دينكم، وجاء في الأثر لا يزال لا إله إلا اللّّه ترفع عن العباد سخط الله تعالى ما لم ينالوا ما نقص من دنياهم، وفي خبر آخر ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على دينهم، فإذا فعلوا ذلك وقالوا: لا إله إلا الله قال الله عزّ وجلّ: كذبتم لستم بها صادقين.
وقد روينا في خبر عن أهل البيت: إذا أحبّ الله تعالى عبدًا ابتلاه، فإذا أحبه الحبّ البالغ اقتناه، قيل: وما اقتناؤه؟ قال لم يترك له أهلاً ولا مالاً، وفي أخبار أهل الكتب: أوحى الله تعالى إلى بعض أوليائه: احذر إذا مقتك فتسقط من عيني فأصبّ عليك الدنيا صبًّا ويقال: ليس عمل من أعمال البر يجمع الطاعات كلها إلا الزهد في الدنيا، وعن بعض الصحابة رضي الله عنهم: تابعنا الأعمال كلّها فلم نر أبلغ في أمر الآخرة من زهد في الدنيا وقال بعض الصحابة لصدر التابعين: أنتم أكثر أعمالاً واجتهادًا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم كانوا خيرًا منكم، قيل ولم ذلك؟ قال كانوا أزهد منكم في الدنيا، وفي وصية لقمان لابنه: واعلم أن أعون الأشياء على الدين زهادة في الدنيا، ويقال: من زهدفي الدنيا أربعين يومًا أجرى الله تعالى ينابيع الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه، وفي خبر آخر: إذا رأيتم العبد قد أعطى صمتًا وزهدًا في الدنيا فاقتربوا منه فإنه يلقي الحكمة، وقد قال الله تعالى: (مَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فقد أُوتِيَ خَيْرًا كَثيرًا) البقرة: 269
وروينا في الآثار جمل هذه الأخبار: من أصبح وهمه الدنيا شتّت الله تعالى عليه أمره وفرق عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم ينل من الدنيا إلا ما كتب له ومن أصبح وهمه الآخرة جمع الله همه وحفظ عليه ضيعته وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة، وقال الله تعالى في معنى ذلك: (مَنْ كَاَن يُريدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ وَمَنْ
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 405