اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 360
الذي يستريح إليه المكروب من الذنوب والقنوط من رحمة الله تعالى التي يرجوها المبتلي بالذنوب أعظم من ذنوبه وهو أشد من جميع ذنوبه لأنه قطع بهواه على صفات الله تعالى المرجوّة وحكم على كرم وجهه بصفته المذمومة فكان ذلك من أكبر الكبائر وإن كانت ذنوبه كبائر.
وهكذا جاء في التفسير: ولاتلقوا بأيدكم إلى التهلكة قال: هو العبد يذنب الكبائر ويلقى بيده ولا يتوب ويقول: قد هلكت لا ينفعني عمل فنهوا عن ذلك إلا أن الرجاء مقام جليل وحال شريف نبيل لا يصلح إلا للكرماء من أهل العلم، والحياء وهو حال يحول عليهم بعد مقام الخوف، يروحون به من الكرب ويستريحون إلىه من مقارفة الذنب، ومن لم يعرف الخوف لم يعرف الرجاء، ومن لم يقم في مقام الخوف لم يرفع إلى مقامات أهل الرجاء على صحة وصفاء ورجاء، كل عبد من حيث خوفه ومكاشفته عن أخلاق مرجوة من معنى ما كان كوشف به من صفات مخوفة، فإن كان أقيم مقام المخوفات من المخلوقات مثل الذنوب والعبوب والأسباب، رفع من حيث تلك المقامات إلى مقامات الرجاء، بتحقيق الوعد وغفران الذنب وتشويق الجنان وما فيها من الأوصاف الحسان؛ وهذه مواجهات أصحاب اليمين وإن كان أقيم مقام مخاوف الصفات عن مشاهدة معاني الذات مثل سابق العلم وسوء الخاتمة وخفي المكر وباطن الاستدارج وبطش القدرة وحكم الكبر والجبروت، رفع من هذه المقامات إلى مقام المحبة والرضا، فرجا من معاني الأخلاق وأسماء الكرم والإحسان والفضل والعطف واللطف والإمتنان، وليس يصحّ أن نخبر بكل ما نعلم من شهادة أهل الرجاء في مقامات الرجاء من قبل أنه لا يصلح لعموم المؤمنين، وهو يفسد من لم يرزقه أشد الفساد فليس يصلح إلا بخصوصة ولا يجديه ولا يستجيب له ولا يستخرج إلا من المحبة ولا محبة إلا بعد نصح القلب من الخوف، وأكثر النفوس لا يصلح إلاعلى الخوف، كعبيد السوء لا يستقيمون إلا بالسوط والعصا ثم يواجهون بالسيوف صلتاً، ومن علامة صحة الرجاء في العبد كون الخوف باطناً في رجائه لأنه لما تحقق برجاء شيء خاف فوته لعظم المرجوّ في قلبه وشدة اغتباطه به، فهو لا ينفك في حال رجائه من خوف فوت الرجاء؛ والرجاء هو ترويحات الخائفين، ولذلك سمّت العرب الرجاء خوفاً لأنهما وصفان لا ينفك أحدهماعن الآخر، ومن مذهبهم أن الشيء إذا كان لازماً لشيء أو وصفاً له أو سبباً منه، أن يعبّروا عنه به فقالوا: مالك لا ترجو كذا وهم يريدون ما لك لا تخاف؟ وعلى هذه اللغة جاء قول الله تعالى: (مَا لَكُْم لا تَرْجُونَ للهِ وَقَاراً) نوح: 13 أجمعوا على تفسيره: مالكم لا تخافون لله عظمة، وهو أيضاً أحد وجهي تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ) الكهف: 110 أي يخاف من لقائه ومثل الخوف من الرجاء، مثل اليوم
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 360