responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 334
وأصل قلة الصبر ضعف اليقين بحسن جزاء من صبرت له لأنه لو قوي يقينه كان الأجل من الوعد عاجلاً إذا كان الواعد صادقاً فيحسن صبره لقوّة الثقة بالعطاء ولا يصبر العبد إلا بأحد معنيين مشاهدة العوض وهو أدناهما، وهذا حال المؤمنين ومقام أصحاب اليمين أو النظر إلى المعوّض وهو حال الموقنين ومقام المقربين، فمن شهد العوض عني بالصبر، ومن نظر إلى المعوّض حمله النظر وقد جعل بعض العارفين الصبر على ثلاثة معان، وإنه في أهل مقامات ثلاث، فقال: أوّله ترك الشكوى قال وهذه درجة التائبين، والثانية الرضا بالمقدور وهذه درجة الزاهدين، والثالثة المحبة لما يصنع به مولاه وهذه درجة الصادقين وقد نوّع القدماء من السلف الصبر على ثلاثة أنواع.
وروينا عن الحسن وغيره: الصبر على ثلاثة معان صبر عن المعصية وهو أفضلها، وصبر على الطاعة، وصبر في المصائب، وهذا داخل في جمل ما فرقناه من معاني الصبر، ومجمل ذلك أن الصبر فرض وفضل يعرف ذلك بمعرفة الأحكام، فما كان أمراً أو إيجاباً فالصبر عليه أو عنه فرض، وما كان حثاً وندباً فالصبر عليه أو عنه فضل والتصبر غير الصبر وهو مجاهدة النفس وحملها على الصبر وترغيبها فيه وهو التعمّل للصبر والتصنّع للصبور بمنزلة التزهد، وهو أن يعمل في أسباب الزهد ليحصل الزهد والصبر، هو التحقق بالوصف وذلك هو المقام، ولا يخرج العبد من الصبر كراهة النفس ولا وجدان المرارة والألم بل يكون مع ذلك صابراً لأن هذا وصف البشرية لما ينافي طبعها، ولكن يكون حاله الكظم عن الشكوى ونفي السخط لحكم المولى لأن عدم ذلك وفقده هو الرضا وحقيقة التوكل، وهذان من أعلى مقامات اليقين، وفقد مراتب اليقين لا يخرج عن حدّ الصبر والذي يخرج عن حد الصبر ضده وهو الجزع ومجاوزة الحدّ من السعلم وإظهار السخط وكثرة الشكوى وظهور الذم والتبرّم، ومن رياضة النفس على التصبّر وهو مقام المتصبرين وحال ضعفاء المريدين أن النفس الأمارة إذا جنحت بك إلى فضول الشهوات أو نازعتك إلى مطالبة متقدم العادات أن تمنعها حاجتها من كل شيء فيشغلها منع الحاجة ووجود الفاقة ممّا لا بدّ منه عن طلب فضول الشهوات فإذا رضتها بالمنع ومنعتها محبوبها بالتصبّر عن الحلال انقادت لك بالصبر عن فضول الشهوات فتكون تاركة لشهوة بعوض عاجل من مباح وتكون صابرة عن فضول شهوة لما منعتها من منال الفاقة وتاركة للهوى طمعاً في نوال الحاجة من الغذاء وهذا من أكبر أبواب الرياضات للنفوس الطامحات وفيه فضل الأقوياء من المتصبرين الذين لم تستجب لهم نفوسهم بالصبر والصلاة ولم تنقد بالجوع والظماء، فأما الضعفاء من أهل الطبقة الثالثة لا من الأوّلين أهل الصوم والصلاة ولا من هؤلاء فإنهم لا يصبرون على تصبر النفس عن الحاجة كما لا تصبر نفوسهم عن الشهوة فرياضة هؤلاء لنفوسهم أن يقطعوها من كل حرام معناه من الحلال ومن كل شهوة مهلكة

اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 334
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست