responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 329
في خدمة المولى فمن ذلك ما توجب المجاهدة صرف الهمة عنه وتطهير القلب منه من خطرات الهوى ونزعات الأعداء وتزيين الدنيا، ومن الآفات ما يوجب الصبر كفّ الجوارح عنها وحبس النفس عن المشي فيها، ومن الصبر حبس النفس على الحقّ وعكوفها عليه بمعاملة اللسان والقلب والجسم، وبذلك؛ وصف الله تعالى المؤمنين الذين يعملون الصالحات واشترط لصلاح أعمالهم الصبر وأخبر أن الناس كلهم في خسران إلا من كان من أهل الحق والصبر وعظم الصبر فأفرده بإعادة التواصي به، ومن الصبر حبس النفس على عبادة الخالق سبحانه وتعالى، وصبرها على القناعة وعلى صنع الرازق، ومن الصبر كفّ الأذى عن الخلق، وهو مقام العادلين يدخل في قوله تعالى: (إنَّ الله يأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسانِ) النحل: 90، ثم احتمال الأذى عن الخلق وهو مقام المحسنين يدخل في قوله: والإحسان، ومن الصبر الصبر على الإنفاق وإعطاء أهل الحقوق حقوقهم الأقرب فالأقرب وهذا مقام المنفقين يدخل في قوله تعالى: (وإيتاء ذِي الْقُربى وينْهى عَنِ الْفحشاءِ والْمُنْكَرِ والْبغي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون) النحل: 90 ومنه الصبر على الفحشاء وهو الأمر الفاحش في العلم والإيمان والصر عن المنكر وهو ما أنكره العلماد، والصبر عن البغي وهو التطاول والغلوّ ومجاوزة الحدّ بالكبر والإسراف في أمور الدنيا، فهذه الآية كلها جامعة لمعنى الصبر وهي قطب القرآن، ثلاث منها وهي الأول الصبر على العدل والإحسان والإعطاء، وثلاث منها الصبر عن الفحشاء والمنكر والبغي.
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: أجمع آية في كتاب الله عزّ وجلّ لأمر ونهي هذه الاية، وقال الله تعالى: (وَنِعِمْ أَجْرُ الْعامِلينَ) آل عمران: 136 الذين صبروا فما أنعم أجرهم حتى وصفهم بالصبر وما أكرم رزقهم ووصفهم حتى مدحهم بالصبر، والصبر يحتاج إليه قبل العلم، ومعه وبعده، يحتاج في أول العمل أن يصبر على تصحيح النّية وعزم العقود والوفاء بها حتى تصحّ الأعمال لأن النبيّ عليه السلام قال: إنما الأعمال بالنيات ولكلّ امرئ ما نوى، وقال الله تعالى: (وما أُمِرُوا إلاَّ لِيعْبُدوا الله مُخْلِصينَ لهُ الدين) البينة: 5، وحقيقة النيّة الإخلاص ولأن الله تعالى قدّم الصبر على العمل فقال تعالى: (إلاَّ الَّذينَ صبَرُوا وعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأجرٌ كَبيرٌ) هود: 11، والصبر: التأني في العمل حتى يتم ويعمل لقوله تعالى: (وَنِعَمْ أجْرُ الْعَامِلينَ) آل عمران: 136 الذين صبروا، والصبر بعد العمل هو الصبر على كتمه وترك التظاهر به والنظر إليه ليخلص من السمعة والعجب فيكمل ثوابه كما خلص من الرياء، كما قال الله تعالى: (أطيعُوا الله وأطيعُوا الرَّسُولَ ولا تُبْطِلوا أعمالَكُمْ) محمد: 33
وقال تعالى في مثله: (لا تُبْطِلُوا صدقاتِكُمْ بِالْمَنِّ والأذى) البقرة: 264، وقال بعض السلف لا يتمّ المعروف إلا بثلاث: تعجيله، وتصغيره، وكتمه، ومن الصبر حبس النفس

اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 329
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست