اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 326
وقرنه به، وكذلك قال تعالى: (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أئِمَّةً يَهْدُونَ بأمْرِنا لِمَّا صبَرُوا وكانُوا بآياتِنا يُوقِنُونَ) السجدة: 24، وأخبر النبي لله: إن من أوتي نصيبه منهما لم يسأل ما فاته، وأخبر عليه السلام: إن الصبر كمال العمل والأجر، فقال في حديث يرويه شهر بن حوشب الأشعري عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أقلّ ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر ومن أعطى حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار ولأن تصبروا على مثل ما أنتم عليه أحبّ إليّ من أن يوافيني كل امرئ منكم بمثل عمل جميعكم، ولكني أخاف أن تفتح عليكم الدنيا بعدي فينكر بعضكم بعضاً وينكركم أهل السماء عند ذلك، فمن صبر واحتسب ظفر بكمال ثوابه،، ثم قرأ ما عندكم ينفد وما عند الله باق وليجزينّ الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون.
وفي حديث ابن المنكدر عن جابر قال: سئل رسول الله عن الإيمان فقال الصبر والسماحة، وقد قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: (أُولئكَ يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمّ مرَّتَيْنِ بِما صبَرُوا) القصص: 54، وقال عزّ وجلّ: (إِنَّما يُوفَّى الصَّابِرون أجْرََهُمّ بِغيْرِ حِسابٍ) الزمر: 10 فضاعف أجر الصابرين على كلّ عمل ثم رفع جزاء الصبر فوق كلّ جزاء فجعله بلا نهاية ولا حدّ فدلّ ذلك أنه أفضل المقامات وجمع للصابرين ثلاثاً فرقها على جمل أهل العبادات، الصلاة، والرحمة، والهدى بعد البشارة في الآخرة والعقبى، وكان عمر رضي الله عنه يقول: نعم العدلان ونعمت العلاوة للصابرين، يعني بالعدلين الصلاة والرحمة وبالعلاوة الهدى، والعلاوة ما يعلى به فوق الحملين على البعير فيكون كعدل ثالث، وقد أخبر الله تعالى أنه مع الصابرين، ومن كان الله تعالى معه غلب، كما أن من كان معه علا، فقال تعالى: (واصْبِرُوا إنَّ الله مع الصَّابِرينَ) الأنفال: 46، كما قال الله عزّ وجلّ: (وأنْتُمُ الأعلوْنَ والله معكُمْ) محمد: 35 واشترط الصبر لإمداده بجنده ولنصرة تأييده بقوله تعالى: (بلى إنّ تصْبِرُوا وتتَّقوا ويأْتُونكُمْ منْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسةِ آلافِ من الملائكةِ مُسَوِّمينَ) آل عمران: 125، وكان سهل يقول: الصبر تصديق الصدق وأفضل منازل الطاعة الصبر على المعصية ثم الصبر على الطاعة، وقال في معنى قوله عزّ وجلّ: (اسْتَعِنُوا بِالله وَاصْبِروُا) الأعراف: 128 أي استعينوا بالله على أمر الله، وأصبروا على أدب الله، وقال: لم يمدح الله تعالى أحداً إلا من صبر للبلاء والشدة فبذلك يثني عليه، وكان يقول: الصالحون في المؤمنين قليل، والصادقون في الصالحين قليل، والصابرون في الصادقين قليل، فجعل الصبر خاصيّة الصدق وجعل الصابرين خصوص الصادقين، وكذلك الله تعالى وهو أصدق القائلين، قد رفع الصابرين على الصادقين في ترتيب المقامات، فجعل الصبر مقاماً في الصدق إن كانت الأوصاف المنسوقة نعتاً واحداً للمسلمين، وكانت الواو للمدح وإن كانت مقامات فالواو للترتيب، فقد جعل الله الصابرين فوق الصادقين والقانتين أعني في
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 326