اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 298
أنه لا يجد أهله قلت ليوسف: يا أبا محمد وتعرفهم قال: لا يخفون علينا ويقال: إن الأبدال إنما انقطعوا في أطراف الأرض واستتروا عن أعين الجمهور لأنهم لا يطيقون النظر إلى علماء هذا الوقت ولا يصبرون على الاستماع لكلامهم لأنهم عندهم جهّال بالله تعالى وهم عند أنفسهم وعند الجاهلين علماء، فقد صاروا من أهل الجهل وأهل الجهل بالجهل على الوصف الذي قال سهل رحمه الله: إن من أعظم المعاصي الجهل بالجهل والنظر إلى العامة واستماع كلام أهل الغفلة أيسر عندهم لأنهم لا يعدمون ذلك حيث كانوا من أطراف الأمصار لأن العامة لا يموّهون في الدين ولا يغرون المؤمنين ولا يدّعون أنهم علماء لأنهم يتعلمون وبالجهل معترفون، فهم إلى الرحمة أقرب ومن المقت أبعد.
وكان أبو محمد أيضاً يقول: قسوة القلب بالجهل بالعلم أشد من القسوة بالمعاصي لأن الجاهل بالعلم تارك ومدّع والعاصي بالفعل مقرّ بالعلم، ويقول أيضاً: لأن العلم دواء به تصلح الأدواء فهو يزيل فساد الأعمال بالتدراك، والجهل داء يفسد الأعمال بعد صلاحها فهو يزيل الحسنات فيجعلها سيئات، فكم بين ما يصلح الفاسد وبين ما يفسد الصالحات، وقد قال الله تعالى: (إنَّ الله لا يُصْلِحُ عَملَ الْمُفْسِدينَ) يونس: 81، وقال تعالى: (إنَّا لا نُضيعُ أجْرَ الْمُصْلِحينَ) الأعراف: 170 فهذا من أدل دليل على فضل العالم المقصر على العابد المجتهد، وأعلم أن العبد إذا باين الناس في كل شيء من أحوالهم انفرد عن جمعهم ولم يألف أحداً منهم وإن باينهم في أكثر أحوالهم اعتزل عن الأكثر منهم فإن فارقهم في بعض الأحوال ووافقهم في بعض حاله خالط أهل الخير وفارق أهل الشر.
باب تفضيل الأخبار وبيان طريق الأرشاد وذكر الرخصة والسعة في النقل والرواية
جميع ما ذكرناه في هذا الكتاب من الأخبار عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم عن الصحابة وعن التابعين وتابعيهم رسمناه حفظاً وسقناه على المعنى إلا يسيراً اتفق وجوده في أيدينا وقرب تناوله منا من أخبار فيها طول فإنا نقلناها من مواضعها وما بعد علينا فلم نفقه ولم نشغل همتنا به فما كان فيه من صواب وبيان وتثبت فمن الله تعالى بحسن توفيقه وقوّة تأييده، وما كان فيه من خطأ وعجلة وهوى فمنا بالسهو والغفلة ومن عمل الشيطان بالعجلة والنسيان، كذلك رويناعن ابن مسعود رضي الله عنه في قضيته التي قضاها برأيه وقولنا لرأيه تبع.
وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: البيان والتثبت من الله عزّ وجلّ والعجلة والنسيان من الشيطان يعني بواسطته وبقلة التوفيق، ولم أعتبر ألفاظ الأخبار في أكثره ولم آل عن سياق المعنى في كله إذ ليس تحرير الألفاظ عندي واجباً إذا أتيت بالمعنى بعد أن تكون عالماً بتصريف الكلام وبتفاوت وجوه المعاني مجتنباً لما يكون به تحريف أو إحالة بين اللفظين وقد رخص في سوق الحديث على المعنى دون سياقه على اللفظ جماعة من الصحابة
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 298