اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 295
وقد روينا عن عيسى عليه السلام وقيل له: من أشد الناس فتنة فقال: زلة عالم إذا زلّ بزلته عالم، وقد روينا معناه عن نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مما أخاف على أمتي زلة عالم وجدال منافق في القرآن، وكان بعض السلف يقول: مثل العالم إذا زل مثل سفينة إذا غرقت غرق معها خلق كثير ومثل كسوف الشمس يصيح الناس يا غافلون الصلاة وإنها عند العامة آية يفزع منها.
ويروى في خبر غريب: من غشّ أمتي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين قيل: يا رسول وما غشّ أمتك؟ قال: أن يبتدع بدعة في الإسلام يحمل الناس عليها، وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول ويل للعالم من الأتباع وويل للأتباع من العالم يزل العالم بزلة فيتبعه عليها فئام من الناس وتبلغ الآفاق وما أعلم أحداً أعظم جرماً ممن ابتدع في دين الله عزّ وجلّ فنطق في كتاب الله تعالى وفي علم المعرفة بما لم يأذن به الله ثم لم يعبأ بسنن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي هو حجة الله تعالى على جميع خلقه وطريق مقربيه من عباده فأضل بذلك عباد الله عزّ وجلّ فإن مثل من ابتدع في الدين واتخذ وليجة دون الكتاب والسنّة وبين طريق المؤمنين إلى جنب من يكاثر في أمور الدنيا وارتكب فيها شهوات الأهواء كمثل من اجترح المظالم بين الناس في الأموال والدماء إلى جنب من ظلم نفسه بكسب الذنوب بينه وبين ربه، إن مظالم العباد أعظم وهو الديوان الذي لا يترك، كذلك التمويه في الدين أعظم لأنه مظالم الآخرة وقطع طرقات المؤمنين ومحو شريعة المرسلين، ومثله أيضاً مثل من أذنب وجحد ذنبه واحتج لنفسه إلى من أذنب واعترف بذنبه واعتذر من نفسه فهو أقرب للعفو وأرجى للرحمة من الآخر، كذلك من اعتلّ بالتقصير والتفريط في العمل ولم ينصح لنفسه إلا أنه أظهر حقيقة العلم ونصح لله تعالى ولرسوله ببيان كتابه وذكر سنته أقرب إلى حسن الإخلاص وأولى بالتدارك في العافية ممن شرع في دين الله تعالى وابتدع في الأمة ما يخالف به الكتاب والسنّة، هكذا كأنه قد قلب ملة وبدل شريعة، فهذا يولد النفاق في قلبه حتى يختم له به ومثل من ابتدع في الملة مخالفاً للسّنة إلى من أساء إلى نفسه بالذنوب مثل من عصى الملك في قلب دولته وتظاهر عليه في ملكه بالإزالة إلى جنب من عصى أمره وقصر في حقه من الرعية، وقد قال بعض الحكماء: ثلاث لا يحسن من الملك أن يغفرها، من قلب دولة من رعيته، أو عمل فيما يوهن الملك، أو أفسد حرمة من حرمه.
وروينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لله تعالى ملكاً ينادي كل يوم من خالف سنّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تنله شفاعته، وقال علي كرّم الله وجهه: الهوى شريك العمى، وقال الله تعالى: (وَمَنْ أصْدَقُ مِنَ الله) النساء: 87 قيلاً ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضلّ الناس بغير علم، ثم قال تعالى: (أوْ قَالَ أُوحِيَ إليَّ وَلمْ يُوحَ إليْهِ شَيْءٌ ومنْ قالَ سأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزلَ الله) الأنعام: 93 فسوّى بين الكذاب في العزية على الله تعالى وبين المتشبه المضاهي للربوبية،
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 295