responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 185
صغرت ثلاثة دواوين: الأول لم فعلت وهذا مكان الابتلاء بالأحكام فإن سلم له نشر له، الديوان الثاني وهو كيف فعلت وهو موضع المطالبة بصحة العلم فإن صح له هذا نشر عليه، الديوان الثالث وهولمن فعلت وهذا مكان المطالبة في الإخلاص فإن اعتل بكيف أو بلم أو بلمن خيف عليه الهلكة إلا أن يتعطف عليه الكريم المنَّان بحيث لا يحتسب فيستنقذه ويسمج له وقد قال تعالى: (وَإنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدلٍ أَتَيْنَا بِهَا) الأنبياء: 47 أي جئنا بها أي أحضرناها وقرئت بالمد آتينا بها بمعنى جازينا بها، وقال عزّوجلَّ: (فَمْنَ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهٌُ) الزلزال: 7 - 8 وقيل: هذه أحكم آية في كتاب اللَّه عزّ وجلّ وهي مجملة مبهمة عامة، وكان رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سئل عن شيء لم يوح إليه فيه بشيء يقول: ما عندي فيه إلا هذه الآية الجامعة الفاذة، فمن يعمل مثقال ذرة الآية، ولما تعلم صعصعة جد الفرزدق من أسفل القرآن إلى هذه السوة قال: حسبي حسبي قد عرفت الخير والشر فقال رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انصرف الرجل فقيهاً وقيل الذرة قشرة الهباء الذي يظهر في شعاع الشمس مثل رؤس الإبر.
وروي عن ابن عباس أنه قال إذا وضعت كفك على التراب ثم رفعتها فكل شيء تعلق بها من التراب فهو ذرة، وقد قيل أربع ذرات خردلة، وذكر بعض العلماء أن الذرة جزء من ألف جزء من شعيرة، ففي الأعمال مايزن هذا الشبح ومايثقل به هذا الخفاء، فلذلك أخبر به الخبير وحذر منه الرؤوف وفي معنى ما ذكرنا آنفاً من حسب أنه يدخل الجنة بعمل فهو متعن ومن حسب أنه يدخلها بغير عمل فهو متمن يعني أنه ينبغي أن يعمل ما عليه ولا ينظر إليه ثم يتوكل في ذلك على اللَّه عزّوجلّ ويرجو قبوله بكرمه ويخاف رده بعدله ولذلك مدح اللَّه سبحانه وتعالى عباده الصابرين له المتوكلين في أعمالهم عليه فأنعم أجرهم فقال: (نِِعمَ أجْر العَامِلِينَ) (الَّذينَ صبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون) العنكبوت: 58 - 59 فالمزيد في الجنة بفضل اللَّه ورحمته هو تأبيد جزاء المعاملة الموهوبة اليوم ودوام خلود العامل في تأبيد جزائه ألم تسمع قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتَرِفَ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً) الشورى: 23 مع قوله: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) إلى قوله: (فَأوُلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعفِ بِمَا عَمِلُوُا) سبأ: 37 ومثله (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) الأنعام: 132 ونحوه: (أوُلَئِكَ يُؤْتُونَ أجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالحَسَنِةَ السَّيِّئةَ) القصص: 54 أي وبما يدرؤون بالحسنة الحديثة السيئة القديمة فلما استعملهم في الدنيا بعملين بالصبر وبدرء السيئة الماضية بالحسنة المستأنفة أعطاهم في الآخرة أجرين، وهذا من الكلام المحذوف الموجز فمحذوفه وبما يدرأون أي وبما يدفعون أيضاً فلما حذفت بما أشكل الكلام فأشبهت

اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 185
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست