اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 179
وقر في القلب وصدقه العمل ومن هذا قول اللَّه عزّ وجلّ: (هَلْ جَزآءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَانُ) الرحمن: 60 وقال في ضده: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَة فَلاَ يُجْزَى إلاَّ مِثْلَهَا) غافر: 40 وقال في معناه: (أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ) التوبة: 16 وكذلك قوله تعالى: (أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُمْ مَثَلُ الَّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ) البقرة: 214 وقال في مثله: (أمْ حَسِتَ الَْذينَ اجتْرَحُوا السَّيِّئاتِ أنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّاِلحَاتِ) الجاثية: 21 ثم قال: (سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) العنكبوت: 4 فأبطل حسبانهم وأدحض حكمهم ثم أحكم ماعنده بقوله: (سَوَاء مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ) الجاثية: 21 أي هم كما كانوا في المحيا محسنين يعملون الصالحات كانت لهم الحسنى في الممات وكما كانوا في المحيا مفسدين يعملون السيئات كانت لهم السوأى والمكروهات، وقيل: كانت هذه الآية مبكاة للعابدين لأنها محكمة غير متشابهة، وكذلك جميع ما ذكرناه من نظائرها هو من المحكم الذي هو أم الكتاب غير منسوخ ولا متشابه، وهذه الآي من عزائم القرآن وهو من أحسن ما أنزل علينا من ربنا الذي أمر اللَّه سبحانه وتعالى باتباعه ووصف أهل الهدى وأولي الألباب باستماعه في قوله تعالى: (الَّذينَ يَسْتَمِعونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَةُ) الزمر: 18 قيل عزائمه ووعيده، وقد قيل في قوله تعالى: (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسبُونَ) الزمر: 47 قبل الرجاء الخائب بالإغترار والظن الكاذب، وقيل: عملوا أعمالاً ظنوا أنها حسنات فوجدوها عند المحاسبة سيئات، والصحيح ما صح بعد الحساب والحق ماثقل عند الميزان كما قال تعالى: (وَالوَزْنُ يَوْمَئِذِ الحَقَّ) الأعراف: 8 قيل: العلم والعمل، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ)
الأعراف: 52 ثم قال: (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمَ بِعِلْمٍ) الأعراف: 7 ثم قال تعالى: (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهمْ مَا كَانُوا بهِ يَسْتَهْزِءُونَ) الزمر: 48 قيل: كانوا يقدمون الذنب ويؤخرون التوبة ويسوفون بالمغفرة، وكانت هذه الآية محزنة للخائفين ومخافة للعارفين وقد أخبر اللَّه سبحانه وتعالى أنه أعد النار للكافرين ثم أمر المؤمنين باتقائها ثم وصف الكافرين فيها وخوف عباده بها فقال تعالى: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي أُعِدَّتْ لِلْكَاِفرين) آل عمران: 131 وقال سبحانه: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النِّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذِلكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) الزمر: 16 ويقال: إن العبد يستحق النار بأول معصية عصى مولاه بها بعد المعرفة ثم هو بعد ذلك في المشيئة وإن في كل عبد خصلة كريهة يخاف عليه منها وكان عبد الواحد ابن زيد يقول: ما صح خوف خائف قط ظن أنه لا يدخل النار وما صدق خوف من ظن أنه يدخل النار فظن أنه يخرج منها أي أن حقيقة الخوف خشية دخول النار ثم الخلود فيها، وقد روينا مثل ذلك عن الحسن وقد ذكر له الرجل الذي يخرج من النار بعد ألف عام فبكى ثم قال: ياليتني مثل ذلك الرجل، وروي عن رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قال إني في الجنة فهو في النار ومن قال: إني عالم فهو جاهل، وروي عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 179