اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 157
بعضه فوق بعض وهوالران الذي يتعقب الكسب فيكون عقوبة له.
قال اللَّه تعالى: (كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوايَكْسِبُونَ) المطففين: 14، قيل: الكاسب الخبيثة وأكل الحرام، وفي التفسير: هو الذنب على الذنب حتى يسود القلب، وأصل الرين الميل والغلبة وهو التغطية أيضاً، يقال: ران عليه النعاس إذا غلبه ورانت الخمر على عقله أي غطته، ومن هذا قول عمر رضي اللَّه عنه في سابق الحاج فادّان معرضاً فأصبح وقد رين به أي مال به الدين فغلبه، وأصل ترادف الذنوب من إغفال المراقبة وإهمال المحاسبة وتأخير التوبة والتسويف بالاستقامة وترك الاستغفار والندم، وأصل ذلك كله هوحب الدنيا وإيثارها على أمر اللَّه عزّ وجلّ وغلبة الهوى على القلب، ألم نسمع إلى قوله عزّ وجلّ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الحيَاةَ الدٌّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ) النحل: 107 إلى قوله عزْ وجلْ: (أُولِئكَ الَّذينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) النحل: 108 وقال في دليل الخطاب: (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى) النازعات: 40 يعني عن إيثار الدنيا لأن صريح الكلام وقع في وصفهم بالطغيان وإيثار الحياة الدنيا، ثم قال: (طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أهْوَاءَهُمْ) محمد: 16، فاتباع الهوى عن طبائع القلب وطبائع القلب عن عقوبة الذنب وميراث العقاب الصمم عن فهم الخطاب، أما سمعته يقول: لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون وقد جعل علي رضي اللَّه عنه الغفلة مقاماً من مقامات الكفر فقال في حديثه الطويل: فقام إليه سلمان فقال: أخبرنا عن الكفر على ما بني فقال: على أربع مقامات: على الشك، والجفاء، والغفلة، والعمى، فإذا كثرت غفلة القلب قل إلهام الملك للعبد وهو سمع القلب لأن طول الغفلة يصمه عن السمع وعدم سمع الكلام من الملك عقوبة الخطايا وتثبيت الملك للعبد على الخير والطاعة وحي من اللَّه عزّ وجلَّ إليهم وتفضيل للعبد، أما سمعت قول اللَّه عزّ وجلّ: (إذْ يُوحي رَبُّكَ إلى المَلائِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذينَ آمَنُوا) الأنفال: 12، وفي الخبر: إن آدم عليه السلام حجب عن سمع كلام الملائكة فاستوحش بذلك فقال: يا رب مالي لا أسمع كلام الملائكة؟ فقال: خطيئتك يا آدم، فإذا لم يسمع العبد كلام الملائكة لم يفهم كلام الملك، وإذا لم يسمع الكلام لم يستجب للمتكلم إنما يستجيب الذين يسمعون، وقال الحسن: إن بين العبد وبين اللَّه عزّوجلّ حداً محدوداً من الذنوب فإذا بلغه العبد طبع على قلبه فلم يوفقه للخير أبداً فبادر أيها المجاوز للحدود بالتوبة والرجوع قبل أن تبلغ الحد فتلقى عياً وجهداً، وفي حديث ابن عمر الطابع معلّق بقائم عرش الرحمن فإذا انتهكت المحارم بعث اللَّه عزّوجلّ بالطابع على القلوب فأعماها وهذا هوالقفل الذي قال اللَّه عزّ وجلّ: (أَفَلا يَتَدبَّرُونَ الْقُرْآنَ) النساء: 82 أم على قلوب أقفالها
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 157