اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 153
وهما فطرة النفس فمثلها في الطيش كمثل كرة أو جوزة في مكان أملس مصوّب سكونها بالمنة فإن أشرت إليها أو حركتها أدنى حركة تحركت بوصفها وهو خفتها واستدارتها وصورتها في الشره المتولدة من الحرص، إنها على صورة الفراشة إنها تقع في النار جاهلة شرهة تطلب بجهلها الضوء وفيه هلاكها فإذا وصلت إلى شيء منه لم تقتنع بيسيره لشرهها فتحرص على الغاية منه وتطلب عين الضوء وجملته وهونفس المصباح فتحرق، ولو قنعت بقليل الضوء عن بعد سلمت فكذلك النفس في طيشها الذي يتولد من العجلة وفي شرهها الذي ينتج من الحرص والطمع، والحرص والطمع هما اللذان كانا سبب إخراج آدم عليه السلام من الجنة لأنه طمع في الخلود فحرص على الأكل وكان ذلك عن الجهل، فكانت معصيته سبب عمارة الدنيا فصارت الطاعة سبب عمارة الآخرة، فلذلك قيل: حب الدنيا رأس كل خطيئة فصار الزهد أصل كل طاعة، فانظر كيف أخرج من الجنة بعد أن جعل فيها بذنب واحد وأنت تريد أن تدخلها ولم تملك النظر إليها بذنوب كثيرة، وفي الحديث الآخر: الإيمان عريان فلياسه التقوى وزينته الحياء وثمرته العلم، من ثم قيل: إن الجنة طيبة لا يسكنها إلا الطيب فمتى طابوا لها دخلوها، ألم تسمع إلى وفاته بين ذلك في قوله تعالى: (الَّذيَن تَتَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبينَ يَقٍولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ) ، النحل: 23، وقال تعالى: (وَقَاَلَ لَهْمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيكُمْ طِبْتُتمْ فَادْخُلُوهَ خَاِلدينَ) ، الزمر: 73 لأنه قال: (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنِّاتِ عَدْنٍ) التوبة: 72 والذنوب خبائث كما قال: (وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَاِئث) الأعراف: 157 فلما طابوا لها طابت لهم وقد أجمل ذلك بقوله تعالى: (الخَبيثاَتُ لِلْخَبيثين) النور: 26 وبقوله: (وَالطَيِّباتُ لِلْطَيِّبينَ) النور: 26، وقد مثل بعضهم النفس في شرهها بمثل ذباب مرّ على رغيف عليه عسل فوقع فيه يطلب الكلية فعلق بجناحه فقبله وآخر مر به فدنا من بعضه فنال حاجته فرجع إلى ورائه سالماً وقد مثل بعض الحكماء ابن آدم مثل دود القز لا يزال ينسج على نفسه لجهله حتى لا يكون له مخلص فيقتل نفسه ويصير
القز لغيره وربما قتلوه إذا فرغ من نسيجه لأن القز يلتف عليه فيروم الخروج منه فيشمس وربما غمزوه بالأيدي حتى يموت لئلا يقطع القز وليخرج القز صحيحاً، فهذه صورة المكتسب الجاهل الذي أهلكه أهله وماله فتنعم ورثته بما شقي به فإن أطاعوا به كان أجره لهم وحسابه عليه وإن عصوا به كان شريكهم في المعصية لأنه أكسبهم إياها به فلا يدري أي الحسرتين عليه أعظم أذهابه عمره لغيره أو نظره إلى ماله في ميزان غيره، ومما سمعت في علم شره النفس ما حدثني بعض إخواني عن بعض هذه الطائفة قال: قدم علينا بعض الفقراء فاشترينا من جار لنا جملاً مشوياً ودعوناه عليه في جماعة من أصحابنا فلما مد يده ليأكل وأخذ لقمة وجعلها في فيه لفظها ثم اعتزل وقال: كلوا
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 153