responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 79
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِ مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ: وَاخْتَلَفَ النُّظَّارُ فِي الضَّرِيرِ وَالْأَطْرَشِ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إلَى الْكَمَالِ وَأَقَلُّ اخْتِلَالًا لِأُمُورِهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَيُّ الصِّفَتَيْنِ أَكْمَلُ، صِفَةِ السَّمْعِ أَوْ صِفَةِ الْبَصَرِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَا قَدَّمْنَا وَأَنَّهُ أَيُّ الصِّفَتَيْنِ كَانَ أَكْمَلَ فَالضَّرَرُ بِعَدَمِهَا أَقْوَى.
ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي يَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يُقَالَ: عَادِمُ الْبَصَرِ أَشَدُّهُمَا ضَرَرًا، وَأَسْلَمُهُمَا دِينًا وَأَحْمَدُهُمَا عَاقِبَةً. وَعَادِمُ السَّمْعِ أَقَلُّهُمَا ضَرَرًا فِي دُنْيَاهُ، وَأَجْهَلُهُمَا بِدِينِهِ، وَأَسْوَأُ عَاقِبَةً، فَإِنَّهُ إذَا عَدِمَ السَّمْعَ عَدِمَ الْمَوَاعِظَ وَالنَّصَائِحَ، وَانْسَدَّتْ عَلَيْهِ أَبْوَابُ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَانْفَتَحَ لَهُ طُرُقُ الشَّهَوَاتِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الْبَصَرُ، وَلَا يَنَالُهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَكُفُّهُ عَنْهَا. فَضَرَرُهُ فِي دِينِهِ أَكْثَرُ، وَضَرَرُ الْأَعْمَى فِي دُنْيَاهُ أَكْثَرُ. وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَطْرَشُ، وَكَانَ فِيهِمْ جَمَاعَةٌ أَضِرَّاءُ، وَقَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ بِالطَّرَشِ، وَيَبْتَلِي كَثِيرًا مِنْهُمْ بِالْعَمَى.
فَهَذَا فَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَمَضَرَّةُ الطَّرَشِ فِي الدِّينِ، وَمَضَرَّةُ الْعَمَى فِي الدُّنْيَا، وَالْمُعَافَى مَنْ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْهُمَا وَمَتَّعَهُ بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَجَعَلَهُ الْوَارِثَ مِنْهُ. انْتَهَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَلْبَ أَفْضَلُ الْجَوَارِحِ، إذْ هُوَ الْمَلِكُ، ثُمَّ اللِّسَانَ، ثُمَّ السَّمْعَ لِسَعَةِ إدْرَاكِهِ، ثُمَّ الْبَصَرُ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الْأَخِيرَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلَا خِلَافَ فِيهِمَا فِيمَا عَلِمْنَا. وَلِذَا يُلْحَقُ مَنْ عَدِمَ الْبَيَانَيْنِ بَيَانَ اللِّسَانِ وَبَيَانَ الْجِنَانِ بِالْحَيَوَانَاتِ الْبَهِيمِيَّةِ، بَلْ هِيَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْهُ، وَإِنْ عَدِمَ بَيَانَ اللِّسَانِ وَحْدَهُ عَدِمِ خَاصِّيَّةَ الْإِنْسَانِ وَهِيَ النُّطْقُ وَاشْتَدَّتْ الْمُؤْنَةُ بِهِ وَعَلَيْهِ، وَعَظُمَتْ حَسْرَتُهُ فَطَالَ تَأَسُّفُهُ عَلَى رَدِّ الْجَوَابِ وَرَجْعِ الْخِطَابِ، فَهُوَ كَالْمُقْعَدِ الَّذِي يَرَى مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَلَا تَمْتَدُّ يَدُهُ إلَيْهِ. فَجَلَّ شَأْنُ اللَّهِ كَمْ لَهُ مِنْ نِعْمَةٍ عَلَى عِبَادِهِ سَابِغَةٍ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَالْقُوَى وَالْمَنَافِعِ، فَحِكْمَتُهُ سُبْحَانَهُ بَالِغَةٌ.
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ شَرِيفَةٌ قَلَّ أَنْ تَعْثُرَ عَلَيْهَا فِي كِتَابٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

مَطْلَبٌ هَلْ الْمَلَكَانِ يَكْتُبَانِ كُلَّ مَا يَتَكَلَّمُهُ الْإِنْسَانُ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) هَلْ الْمَلَكَانِ الْكَرِيمَانِ الْكَاتِبَانِ يَكْتُبَانِ كُلَّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الْإِنْسَانُ، أَوْ لَا يَكْتُبَانِ إلَّا مَا فِيهِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ؟

اسم الکتاب : غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 79
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست