responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 75
قَالَ الْحَافِظُ: وَلَقَدْ خَطَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَوْمًا فَرَقَّ النَّاسُ وَبَكَوْا، فَقَطَعَ خُطْبَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ لَوْ أَتْمَمْت كَلَامَك رَجَوْنَا أَنْ يَنْفَعَ اللَّهُ بِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ الْقَوْلَ فِتْنَةٌ، وَالْفِعْلُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِ مِنْ الْقَوْلِ.
قَالَ الْحَافِظُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَكُنْت مِنْ مُدَّةٍ قَدْ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَنَامِ وَسَمِعْته يَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَظُنُّ أَنِّي فَاوَضْتُهُ فِيهَا وَفَهِمْت مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ التَّكَلُّمَ بِالْخَيْرِ أَفْضَلُ مِنْ السُّكُوتِ وَأَظُنُّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ ذِكْرُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ ذَلِكَ لَهُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ الصَّمْتُ مَنَامُ الْعَقْلِ وَالْمَنْطِقُ يَقَظَتُهُ، وَلَا يَتِمُّ حَالٌ إلَّا بِحَالٍ، يَعْنِي لَا بُدَّ مِنْ الصَّمْتِ وَالْكَلَامِ.
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ وَكَانَ أَحَدَ الْحُكَمَاءِ يَقُولُ: إذَا كَانَ الْمَرْءُ يُحَدِّثُ فِي مَجْلِسٍ فَأَعْجَبَهُ الْحَدِيثُ فَلْيَسْكُتْ، وَإِذَا كَانَ سَاكِتًا فَأَعْجَبَهُ السُّكُوتُ فَلْيُحَدِّثْ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا حَسَنٌ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ سُكُوتُهُ وَحَدِيثُهُ بِمُخَالَفَةِ هَوَاهُ وَإِعْجَابِهِ بِنَفْسِهِ. وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ جَدِيرًا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إيَّاهُ وَتَسْدِيدِهِ فِي نُطْقِهِ وَسُكُوتِهِ، لِأَنَّ كَلَامَهُ وَسُكُوتَهُ يَكُونُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَفِي مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ «عَلَامَةُ الطُّهْرِ أَنْ يَكُونَ قَلْبُ الْعَبْدِ عِنْدِي مُعَلَّقًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْسَنِي عَلَى حَالٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ مَنَنْت عَلَيْهِ بِالِاشْتِغَالِ بِي لَا يَنْسَانِي، فَإِذَا نَسِيَنِي حَرَّكْت قَلْبَهُ، فَإِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ لِي وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ لِي، فَذَلِكَ الَّذِي يَأْتِيهِ الْمَعُونَةُ مِنْ عِنْدِي» رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ.
ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ: وَبِكُلِّ حَالٍ فَالْتِزَامُ الصَّمْتِ وَاعْتِقَادُهُ قُرْبَةً إمَّا مُطْلَقًا أَوْ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ كَالْحَجِّ وَالِاعْتِكَافِ وَالصِّيَامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ صِيَامِ الصَّمْتِ» .
وَخَرَّجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّمْتِ فِي الْعُكُوفِ» .
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» .

اسم الکتاب : غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 75
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست