responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 58
فَعَلَى الْعَالِمِ كَتْمُ عِلْمِهِ عَمَّنْ لَا يَقُومُ بِنَامُوسِهِ، أَوْ مَنْ يَتَّخِذُهُ سُلَّمًا لِتَنَاوُلِ مَا لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ، أَوْ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِ مَحَامِلِهِ، وَآخِرُ مَنْ رَأَيْنَا مِنْ الْأَئِمَّةِ مَنْ يَتَحَرَّجُ مِنْ سَمَاعِ مَنْ لَا يَصْلُحُ شَيْخُنَا الْإِمَامُ النَّقِيُّ الْهُمَامُ التَّقِيُّ عَبْدُ الْقَادِرِ التَّغْلِبِيُّ فَإِنَّهُ امْتَنَعَ أَنْ يُقْرِئَ جَمَاعَةً الْمَحْكَمَةَ وَالْحُكَّامَ، فَقُلْت لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ إنَّ هَؤُلَاءِ يَتَّخِذُونَ الْعِلْمَ وَسِيلَةً لِاصْطِيَادِ الدُّنْيَا، وَيَتَعَلَّمُونَ مَسَائِلَ الْخِلَافِ لِيَحْكُمُوا فِيهَا بِالتَّشَهِّي. أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: مَنْ تَتَبَّعَ الْأَقْوَالَ الضَّعِيفَةَ وَمَسَائِلَ الِاخْتِلَافِ وَحَكَمَ فِيهَا بِالتَّشَهِّي فَهُوَ مُضِلٌّ. وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ زَنْدَقَةٌ كَمَا فِي طَبَقَاتِ الْعُلَيْمِيِّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِلْمَ كَالسَّيْفِ إنْ أَعْطَيْته لِتَقِيٍّ قَاتَلَ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ أَلْقَيْته لِشَقِيٍّ قَطَعَ بِهِ الطَّرِيقَ وَأَضَرَّ عِبَادَ اللَّهِ. وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» .
وَأَمَّا عَدَمُ صِيَانَةِ نَامُوسِ الْعِلْمِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ لِلْإِمَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ الرَّعَاعَ وَالْغَوْغَاءَ فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَقَبِلَ عُمَرُ مَشُورَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ. قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنْ لَا يُودَعَ الْعِلْمُ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ، وَلَا يُحَدِّثَ لِقَلِيلِ الْفَهْمِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ فَهْمُهُ، وَالرَّعَاعُ السَّفِلَةُ، وَالْغَوْغَاءُ نَحْوُ ذَلِكَ. وَأَصْلُ الْغَوْغَاءِ صِغَارُ الْجَرَادِ.
وَفِي تَارِيخِ ابْنِ النَّجَّارِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَدِمْت عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِمَكَّةَ فَوَجَدْته مَرِيضًا شَارِبًا دَوَاءً، فَقُلْت لَهُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ أَشْيَاءَ، قَالَ فَقُلْ. فَقُلْت أَخْبِرْنِي مَنْ النَّاسُ؟ قَالَ الْفُقَهَاءُ، قُلْت قُلْت فَمَنْ الْمُلُوكُ؟ قَالَ الزُّهَّادُ، قُلْت فَمَنْ الْأَشْرَافُ؟ قَالَ الْأَتْقِيَاءُ؟ قُلْت فَمَنْ الْغَوْغَاءُ؟ قَالَ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْأَحَادِيثَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَأَكَّلُوا أَمْوَالَ النَّاسِ. قُلْت فَمَنْ السَّفِلَةُ؟ قَالَ الظَّلَمَةُ.
وَلَوْ أَخَذْنَا نَتَكَلَّمُ عَلَى مُتَعَلِّقَاتِ الْعِلْمِ لَطَالَ الْكِتَابُ وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى الْإِطْنَابِ.
وَهُوَ وَإِنْ كَانَ غَزِيرَ الْفَوَائِدِ كَبِيرَ الْفَرَائِدِ كَثِيرَ الْعَوَائِدِ غَيْرُ أَنَّ أَبْنَاءَ الزَّمَانِ

اسم الکتاب : غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 58
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست