responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 455
ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّك لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قَالَ أَجَلْ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي فُنُونِ الْإِمَامِ بْنِ عَقِيلٍ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٌ عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِرَاحَةِ إلَى نَوْعٍ مِنْ الشَّكْوَى عِنْدَ إمْسَاسِ الْبَلْوَى. قَالَ وَنَظِيرُهُ {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84] . {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء: 83] . «مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدُنِي» .
وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي الْآيَةِ الْأُولَى هَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ إظْهَارِ مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ عِنْدَمَا يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ مِنْ الْأَذَى وَالتَّعَبِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ شَكْوَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا: شَكْوَى الْمَرِيضِ مُخْرِجَةٌ مِنْ التَّوَكُّلِ. وَقَدْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنِينَ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهُ يُتَرْجِمُ عَنْ الشَّكْوَى، ثُمَّ احْتَجَّ بِقَوْلِ رَجُلٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَيْفَ تَجِدُك يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ بِخَيْرٍ فِي عَافِيَةٍ، فَقَالَ لَهُ حُمِمْت الْبَارِحَةَ، قَالَ إذَا قُلْت لَك أَنَا فِي عَافِيَةٍ فَحَسْبُك لَا تُخْرِجْنِي إلَى مَا أَكْرَهُ وَوَصْفُ الْمَرِيضِ مَا يَجِدُهُ لِلطَّبِيبِ لَا يَضُرُّهُ، وَالنَّصُّ الْمَذْكُورُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ إنَّمَا يَدُلُّ لِمَا قَالَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ إذَا كَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِمَّا يُمْكِنُ كَتْمُهَا فَكِتْمَانُهَا مِنْ أَعْمَالِ اللَّهِ الْخَفِيَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِهَذَا ذَكَرَ شَيْخُنَا يَعْنِي شَيْخَ الْإِسْلَامِ بْنَ تَيْمِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ مِنْ التَّوَكُّلِ وَغَيْرِهِ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، وَأَنَّ الصَّبْرَ وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ وَالصَّبْرُ لَا تُنَافِيهِ الشَّكْوَى. قَالَ وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ صَبْرٌ بِغَيْرِ شَكْوَى إلَى الْمَخْلُوقِ وَالشَّكْوَى إلَى الْخَالِقِ لَا تُنَافِيهِ، بَلْ شَكْوَاهُ إلَى الْخَالِقِ مَطْلُوبَةٌ. وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِي أَنِينِ الْمَرِيضِ أَرْجُو أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَكْوَى، لَكِنَّهُ اشْتَكَى إلَى اللَّهِ. قُلْت أَنِينُ الْمَرِيضِ تَارَةً يَكُونُ عَنْ تَبَرُّمٍ وَتَضَجُّرٍ فَيُكْرَهُ، وَتَارَةً يَكُونُ عَنْ تَسَخُّطٍ بِالْمَقْدُورِ فَيَحْرُمُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَتَارَةً يَكُونُ لِأَجْلِ مَا يَجِدُ وَيَجِدُ بِهِ نَوْعَ اسْتِرَاحَةٍ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ التَّضَجُّرِ وَالتَّبَرُّمِ فَيُبَاحُ، وَتَارَةً يَكُونُ عَنْ ذُلٍّ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَانْكِسَارٍ وَخُضُوعٍ وَافْتِقَارٍ وَمَسْكَنَةٍ وَاحْتِقَارٍ مَعَ حَسْمِ مَادَّةِ الْعَوْنِ إلَّا مِنْ بَابِهِ وَالشِّفَاءِ إلَّا مِنْ عِنْدِهِ، وَالْعَافِيَةِ إلَّا مِنْ كَرَمِهِ. فَهَذَا لَا يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ بَلْ يُنْدَبُ إلَيْهِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي حَدِيثٍ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ «الْمَرِيضُ أَنِينُهُ تَسْبِيحٌ، وَصِيَاحُهُ تَكْبِيرٌ، وَنَفَسُهُ صَدَقَةٌ. وَنَوْمُهُ عِبَادَةٌ، وَنَقْلُهُ مِنْ جَنْبٍ إلَى جَنْبٍ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: لَيْسَ بِثَابِتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

اسم الکتاب : غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 455
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست