responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 231
وَلَا تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ وَلَا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمْ، وَانْظُرُوا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكُمْ، وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ وَيُسْتَرَاحُ مِنْ فَاجِرٍ.
وَقَالَ لَيْسَ هَذَا يَعْنِي نَزْعَهُمْ أَيْدِيَهُمْ مِنْ طَاعَتِهِ صَوَابًا، هَذَا خِلَافُ الْآثَارِ. وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَأْمُرُ بِالْكَفِّ عَنْ الْأُمَرَاءِ وَيُنْكِرُ الْخُرُوجَ إنْكَارًا شَدِيدًا. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ: الْكَفُّ أَيْ يَجِبُ الْكَفُّ لِأَنَّا نَجِدُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا صَلُّوا فَلَا» أَيْ فَلَا تُنْزَعُ يَدُ طَاعَتِهِمْ مُدَّةَ دَوَامِهِمْ يُصَلُّونَ. خِلَافًا لِلْمُتَكَلِّمِينَ فِي جَوَازِ قِتَالِهِمْ كَالْبُغَاةِ. وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الظَّاهِرِ وَالْمَعْنَى.
أَمَّا الظَّاهِرُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقِتَالِ الْبُغَاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} [الحجرات: 9] الْآيَةَ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا أَمْرٌ بِالْكَفِّ عَنْ الْأَئِمَّةِ بِالْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَمَّا مَعْنًى فَإِنَّ الْخَوَارِجَ يُقَاتِلُونَ بِالْإِمَامِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا يَحْصُلُ قِتَالُهُمْ بِغَيْرِ إمَامٍ انْتَهَى.
قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
إنَّ الْجَمَاعَةَ حَبْلُ اللَّهِ فَاعْتَصِمُوا ... مِنْهُ بِعُرْوَتِهِ الْوُثْقَى لِمَنْ دَانَا
كَمْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِالسُّلْطَانِ مُعْضِلَةً ... فِي دِينِنَا رَحْمَةً مِنْهُ وَدُنْيَانَا
لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَمْ تَأْمَنْ لَنَا سُبُلٌ ... وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْبًا لِأَقْوَانَا
وَفِي وَصِيَّةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي مَا أُوصِيك بِهِ: " إمَامٌ عَدْلٌ خَيْرٌ مِنْ مَطَرٍ وَبْلٍ. وَأَسَدٌ خَطُومٌ خَيْرٌ مِنْ إمَامٍ ظَلُومٍ. وَإِمَامٌ ظَلُومٌ غَشُومٌ خَيْرٌ مِنْ فِتْنَةٍ تَدُومُ.
قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الْجَائِزُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ السَّلَاطِينِ التَّعْرِيفُ وَالْوَعْظُ. فَأَمَّا تَخْشِينُ الْقَوْلِ نَحْوُ يَا ظَالِمُ يَا مَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُحَرِّكُ فِتْنَةً يَتَعَدَّى شَرُّهَا إلَى الْغَيْرِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
قَالَ وَاَلَّذِي أَرَاهُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَحَمْلُ السُّلْطَانِ بِالِانْبِسَاطِ عَلَيْهِ أَيْ حَمْلُهُ السُّلْطَانَ عَلَى أَنْ يَبْسُطَ يَدَهُ فِي التَّعَدِّي عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ فِعْلِ الْمُنْكَرِ الَّذِي قَصَدَ إزَالَتَهُ. وَقَدْ قَالَ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يُتَعَرَّضُ بِالسُّلْطَانِ، فَإِنَّ سَيْفَهُ مَسْلُولٌ، وَعَصَاهُ.
فَأَمَّا مَا جَرَى لِلسَّلَفِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِأُمَرَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَهَابُونَ الْعُلَمَاءَ، فَإِذَا انْبَسَطُوا عَلَيْهِمْ احْتَمَلُوهُمْ فِي الْأَغْلَبِ.

اسم الکتاب : غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 231
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست