اسم الکتاب : علم الأخلاق الإسلامية المؤلف : مقداد يالجن الجزء : 1 صفحة : 369
فمثلا إذا كان فتح الطريق يقتضي هدم بيت واحد من الناس فليهدم ويعوض إذا كانت الجماعة قادرة على التعويض، ولا يحق كذلك للفرد احتجاز واستملاك المنافع العامة[1], ولكن لا ينبغي أن يفهم من هذا أن من حق مجموعة من الناس إذا اقتضت مصحلتهم المادية قتل إنسان وأخذ ماله، هذا شيء وما نقوله شيء آخر.
وفي الحالة الثانية؛ يفضل العمل من أجل الجماعة على العمل من أجل فرد واحد, فلا شك إن إيثار الغير على النفس في الخيرات من أجل الفضيلة هو عين الفضيلة وهو عين الأخلاق ولهذا مدح الله الإيثار فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [2].
ولا ينبغي أن يفهم هنا تعارض بين هذه الآية وبين قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- السابق: "ابدأ بنفسك في الإنفاق" إذ إن الحديث في حالة الضرورة فيما إذا كان الإيثار فيه هلاك لنفسه فالإنسان قد يعطي ما لديه من القوت وهو قوام حياته ولا يأكل منه حتي يمرض أو يموت وذلك إيثارا للفضيلة، ولهذا قال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} [3]؛ لأن الحفاظ على الحياة فضيلة أيضا كما بينا ولأن قيمة النفس أغلى من قيمة الإنفاق في مثل هذه الحالة. إذن مهما يكن من تعارض بين الفردية والغيرية في الظاهر [1] المغني لابن قدامة جـ 5 ص486. [2] الحشر: 9. [3] الإسراء: 29.
اسم الکتاب : علم الأخلاق الإسلامية المؤلف : مقداد يالجن الجزء : 1 صفحة : 369