اسم الکتاب : علم الأخلاق الإسلامية المؤلف : مقداد يالجن الجزء : 1 صفحة : 248
الاجتماعي، فأحياناً يكون التمسك بالرخصة فضيلة إذا كان في ذلك إيثار في حق الغير، ولهذا ينبغي أن يقدر هنا بين ما يبذله الإنسان في سبيل التمسك بالقيمة وبين القيمة نفسها: فالمحافظة على النفس أغلى من المحافظة على المال، فليس من الأفضل إضاعة النفس في سبيل المحافظة على حرمة مال الغير، فإذا رأى الإنسان مثلا أنه سوف يموت إذا لم يسرق ولم يأكل من مال الغير فلا شك أن التعدي على حرمة المال هنا أهون من التعدي على حرمة النفس، ولهذا قال الأصوليون: ارتكاب أهون الشرين أولى إذا كان لا مناص من ارتكاب أحدهما.
الأمر الثاني: إن الإسلام راعى في هذه الاستثناءات الفروق الفردية بين الناس في مختلف الظروف، إذ إن بعض الناس قد لا يستطيع تحمل تلك المواقف الحرجة الشديدة تحت وطأة الخوف أو الجوع أو العاطفة فيقدم على ارتكاب الحرام, وكل إنسان يعمل حسب استطاعته وهو يعرف نفسه عند الإقدام على الرخصة مدى اضطراره إليها {بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ, وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [1]، وإن الله سيحاسبه بناء على معرفته بنفسه في حالة الاضطرار، ولهذا لا يحق للناس أن يرتكبوا المحرمات لمجرد بعض الصعوبات التي يستشعرونها إزاء القيام بالأعمال الأخلاقية، ولا تنفع معاذيرهم؛ لأن الله يعلم مدى اضطرارهم، ومن هنا كان على المرء أن يوفق بين ظاهره وباطنه، فلا يقدم على أعمال لا يوافق عليها ضميره الباطني ولو حاول أن يلقي المعاذير على الضرورة[2]، وقد قال [1] القيامة: 14. [2] يعرف الإمام الشاطبي حد الضرورة فيقول: "إنه إذا كان العمل يؤدي الدوام عليه إلى الانقطاع عنه أو عن بعضه أو إلى وقوع خلل في صاحبه.. في نفسه أو ماله أو حال من أحواله فالمشقة هنا خارجة عن المعتاد" الموافقات جـ 2 ص 87.
اسم الکتاب : علم الأخلاق الإسلامية المؤلف : مقداد يالجن الجزء : 1 صفحة : 248