اسم الکتاب : دعوة الرسل عليهم السلام المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 552
وقضى الله للإنسان أن يكون عابدا باختياره، ولذلك جعل محل الإيمان النية والقصد الذي لا يطلع عليه مخلوق، على أن يشهد له النطق، وتؤكده الأعمال.... وأي إيمان لا ينبع من القلب لا قيمة له؛ لأنها في حكم الله نفاق حركة الخوف، وكذب لا يقبله الله تعالى.
ومن حقائق الإنسان العامة أن قواه العقلية، الباطنية، تجد نفسها دائما أمام خطين متعارضين، أحدهما يدعوه إلى الرفعة، والخير، وحسن الخلق ... والثاني يدعوه إلى الجشع، والمادة والشهوة، وسوء الخلق.... وذلك معنى قوله تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [1] وقوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [2].
يقول الإمام القرطبي: "النجدان هما طريق الخير، وطريق الشر، ويرى أن كل نفس بشرية خلقها الله تعالى هيأها وعرفها طريق الفجور، وطريق التقوى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ هذه الآيات يدعو ربه ويقول: "اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من دساها، أنت وليها ومولاها" [3].
هذه الحقيقة هي مدخل الشيطان إلى الإنسان، فعن طريقها يزين الشهوة، ويجمل الشر، ويهون من شأن المعصية، ويستمر في إغوائه حتى يجعل للشر في النفس قوة، وبذلك يتمكن من إضلال صاحبه.
وعلى الدعاة أن يتوجهوا إلى جانب الخير في الإنسان، ويستفيدوا به في الهداية والرشاد، ليتغلبوا على عدو الله وعدوهم، ولهذا فهم في حاجة إلى دراسة حقيقة النفس، وما يتصل بها من دراسات للوقوف على طريق مخاطبة الباطن، والتأثير فيه. [1] سورة البلد آية "10". [2] سور الشمس الآيات "7-10". [3] تفسير القرطبي ج2 ص65، 75-76.
اسم الکتاب : دعوة الرسل عليهم السلام المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 552