responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دستور الأخلاق في القرآن المؤلف : دراز، محمد بن عبد الله    الجزء : 1  صفحة : 620
الأخلاقية، وقد يصبح مجال العمل ضيقًا شديد الضيق، إلى حد ألا يسمح إلا بعمل واحد لا يختلف مطلقًا بالزيادة أو النقصان. ولسوف نجد أن الجهد الكريم الذي قد يقف على بعد خطوات دون الغاية المرجوة، سوف يوصم بنفس القدر من اللاأخلاقية التي يوصم بها أي عميل بليد، أو متوسط، أو ضعيف. بل إن الفضيلة نفسها سوف تكون مفهومًا خياليًّا، لا وجود له إلا في عالم الأساطير. ذلك، أنه إذا كان ما ندعوه بالممكن الأفضل يعني هذا الحد المحدود للقدرة الإنسانية فلسوف يختلط لا محالة بما هو فوق الإنساني، أو بالأحرى بما هو لاإنساني. فلكي يتأكد الإنسان من أنه استعمل كل قواه يصبح دليله الوحيد أن ينتحر باستهلاك نفسه. وبهذا نرى إلى أية استحالة يقودنا فرض كهذا.
أما موقف القرآن فجد مختلف عن هذا. فهو من ناحية يجعل فكرة "الكمال" ما بين الانهماك غير المعقول، والجهد المتوسط.
وهو من ناحية أخرى، مع تشجيعه الناس على أن يطلبوا الأفضل، يزكي ويستر بلطفه أهل الصلاح الطيبين جميعًا، ضعفاء كانوا أو أقوياء. ومن أجل هذا وجدناه بعد أن يقيس المسافة بين المجاهد الذي يبذل نفسه وماله, والخالف الذي يبقى في المؤخرة، وبعد أن يعلن أفضلية المجاهد في قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} [1]، إذا به يستدرك قائلًا: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} 2.
وهذه المقارنة ذاتها، بل ونفس التقدير، بين منفقَيْن، أحدهما بادر

[1] و2 النساء: 95.
اسم الکتاب : دستور الأخلاق في القرآن المؤلف : دراز، محمد بن عبد الله    الجزء : 1  صفحة : 620
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست