responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دستور الأخلاق في القرآن المؤلف : دراز، محمد بن عبد الله    الجزء : 1  صفحة : 62
فإذا ما أحللنا أحد هذه الاعتبارات محل الآخر انقلب نظام الأمور، ولم يعد عملنا ذا صلة بعمل الأخلاقيين.
بيد أنه إذا كان حقًّا أن أي نشاط يمكن أن يكون عادلًا، ونافعًا، ومستحسنًا في آن، فليس محظورًا على المشرع أن يضاعف الأسباب المسوغة لنظامه، ولكنه لن يكون حينئذ قد اقتصر على دور الأخلاقي؛ وإنما هو يضيف إلى هذا الدور أشياء أخرى ليست مع ذلك متعارضة. وأي مربٍّ حاذق يجب أن يلجأ إلى هذه الطريقة ليضمن فاعلية تعليمه. ولسوف تزداد مبررات هذه الإضافة كلما اتصلت بتربية المبتدئين، فأما إذا ما حققت الحاسة الخلقية بعض التقدم فإنها تصبح بالتدريج أكثر نقاء؛ لتكتفي في النهاية بذاتها، وبهذا المنهج التدريجي يبدو لنا أن القرآن قد سار في تعليمه الأخلاقي[1].
ويجب أن نشير إلى أن هذه السمة المميزة للإلزام الأخلاقي من ناحية التشريع، تصاحبها جنبًا إلى جنب، سمة أخرى تتصل بناحية التطبيق.
ذلك أن العمل الأخلاقي لا يتمثل أبدًا في واقع مادي: لاشعوري، أو لاإرادي، أو غير مقصود، فعلى حين تقنع الشريعة "بمادة" العمل وحرفيته الجافة، تتطلب الأخلاقية منه "روحه". بل إننا -دون أن نتخذ موقفًا في الجدل المشهور الذي ثار بين فقهاء المسلمين حول الضرورة المطلقة في أن يؤدي المرء واجبه لمجرد كونه واجبًا- نجد أن هنالك واقعًا في الإسلام لا يقبل الشك، هو أن قداسة الواجب تقتضي أن نتأملها -على الأقل- في لحظة العمل، ولا بد أن يتخذ الذهن في تلك اللحظة وضعًا، لا يكون قصوره للعمل خلاله من جانبه المادي وحده، بل تكون له التفاتة إلى طابعه الإلزامي بهذا المعنى دون غيره.

[1] انظر فيما بعد: الفصل الثالث, الخاتمة.
اسم الکتاب : دستور الأخلاق في القرآن المؤلف : دراز، محمد بن عبد الله    الجزء : 1  صفحة : 62
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست