responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دستور الأخلاق في القرآن المؤلف : دراز، محمد بن عبد الله    الجزء : 1  صفحة : 606
مجموعة من الوسائل الخاصة القادرة على إسكات صوت الهوى سريعًا، وجعل القرار الحسن أسرع وآكد؟
إن الأخذ بالرأي المقابل، الذي يحدد العمل الأخلاقي بأنه الذي يؤدي مع أكبر قدر من المقاومة -معناه الإصرار الغريب على أن يظل الإنسان في المرحلة البدائية، حيث يكون عرضة لحشد من المشاعر الشرسة، غير المستأنسة، التي لا يستطيع مقاومتها إلا إذا استدعى جهد أكثر المقاتلين يأسًا.
هذه المرحلة البدائية التي لم ير فيها أكثر فلاسفتنا الأخلاقيين حرصًا[1] سوى حالة عابرة، قابلة لأن تجتاز، وتستبدل بعكسها -ما كان لها بداهة أن تكون "قانونًا"، أو "نظامًا شاملًا" للقيم. ذلك، أن الحياة الأخلاقية المثلى -على هذا الرأي- لن تكون فقط حياة المبتدئين، والتلامذة، بل ستكون بالحري، حياة الأشرار والفاسدين. ولسوف يكون نموذجنا هو الإنسان الذي لا يستطيع أن يعزم على أن يسير في الحياة بشرف إلا إذا فرض على فطرته نوعًا من العنف المؤلم، وإلا إذا أتى بعض الحركات القاسية راغمًا.
ومع ذلك فإن وجهة النظر هذه هي عكس ما يبدو لنا من موقف القرآن تمامًا, فلقد رأينا كيف ذم الحق تبارك وتعالى، أولئك الذين لا يؤدون واجبهم بمسرة ونشاط، والذين {لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [1]، ورأينا بأي أسلوب فضحهم وكشف سترهم؟
وكان أرسطو إذن على حق في أن يقول: إن الذي لا يسر لأداء الأعمال الطيبة ليس خيرًا حقًّا.

[1] انظر مثلًا: المحاسبي, الرعاية، الفصل 50.
2 التوبة: 54.
اسم الکتاب : دستور الأخلاق في القرآن المؤلف : دراز، محمد بن عبد الله    الجزء : 1  صفحة : 606
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست