اسم الکتاب : تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق المؤلف : ابن مسكويه الجزء : 1 صفحة : 187
اللذة التي تطيقها الشريعة
ولا بد في ذلك من المزاح المستعذب والأحاديث المستطابة والفكاهة المحبوبة وإصابة اللذة التي تطيقها الشريعة ويقدرها العقل حتى لا يتجلوزها إلى الإسراف فيها ولا يقصرعنها تهاونا بها.
ذلك أن الخروج إلى أحد الطرفين إن كان إلى جانب الزيادة سمى مجونا وفسقا وخلاعة وما أشبهها من أسماء الذم. وإن كان إلى جانب النقصان سمى فدامة وعبوسا وشكاسة وما أشبهها من أسماء الذم أيضا. والمتوسط بينهما هوالظريف الذي يوسف بالهشاشة والطلاقة وحسن العشرة ويعرض من الصعوبة في وجود هذا الوسط ما يعرض في سائر الفضائل الخلقية. ومما يؤخذ به من يحفظ صحة نفسه أن يلتزم وظيفة من الجزء النظري والعملي لا يسوغ له الإخلال بها البتة لتجري النفس مجرى الرياضة التي تلزم في حفظ صحة البدن وأطباء النفوس أشد تعظيما لها في حفظ صحة النفس. وذلك أن النفس متى تعطلت من النظر وعدمت الفكر والغوص على المعاني تبلدت وتبلهت وانقطت عنها مادة كل خير. وإذا ألفت الكسل وتبرمت بالروية واختارت العطلة قرب هلاكها لأن في عطلتها هذه إنسلاخا من صورتها الخاصة بها ورجعوعا منها إلى رتبة البهائم. وهذا هو الإنتكاس في الخلق نعوذ بالله منه.
اسم الکتاب : تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق المؤلف : ابن مسكويه الجزء : 1 صفحة : 187