اسم الکتاب : تلبيس إبليس المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 63
الذي لَهُ منذ نزل دون الستمائة سنة فالأسماع تدركه والأفكار تتدبره والتحدي به عَلَى الدوام ولم يقدر أحد عَلَى مداناة مِنْهُ فأين هَذَا والخاصة والسحر والشعبذة.
قال أَبُو الوفاء عَلِيّ بْن عقيل رَضِيَ اللَّهُ عنه صبئت قلوب أهل الإلحاد لانتشار كلمة الحق وثبوت الشرائع بين الخلق والامتثال لأوامرها كابن الراوندي ومن شاكله كأبي العلاء ثم مَعَ ذلك لا يرون لمقالتهم نباهة ولا أثرا بل الجوامع تتدفق زحاما والآذانات تملأ أسماعهم بالتعظيم لشأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والإقرار بما جاء به وإنفاق الأموال والأنفس فِي الحج مَعَ ركوب الأخطار ومعاناة الأسفار ومفارقة الأهل والأولاد فجعل بعضهم يندس فِي أهل النقل فيضع المفاسد عَلَى الأسانيد ويضع السير والأخبار وبعضهم يروي مَا يقارب المعجزات من ذكر خواص فِي أحجار وخوارق العادات فِي بعض البلاد وأخبار عَن الغيوب عَنْ كثير من الكهنة والمنجمين ويبالغ فِي تقرير ذلك حتى قالوا أن سطيحا قَالَ فِي الخبيء الذي خبىء لَهُ حبة بر فِي إحليل مهر والأسود كان يعظ ويقول الشيء قبل كونه وههنا الْيَوْم معزمون يكلمون الجني الذي فِي باطن المجنون فيكلمهم بما كان ويكون وما شاكل ذلك من الخرافات فمن رأى مثل هَذَا قَالَ بقلة عقلة وقلة تلمحه لقصد هؤلاء الملحدة وهل مَا جاءت به النبوات إلا مقارب هَذَا وليس قول الكاهن حبة بر فِي إحليل مهر وَقَدْ أخفيت كل الاخفاء بأكثر من قوله: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} وهل بقي لهذا وقع فِي القلوب وهذا التقويم ينطق بالمنع من الركوب الْيَوْم وهل ترك تلمح هَذَا إلا النبي[1] وَاللَّه مَا قصدوا بذلك إلا قصدا ظاهرا ولمحوا إلا لمحا جليا فقالوا تعالوا نكثر الجولان فِي البلاد والأشخاص والنجوم والخواص فلا يخلو مَعَ الكثرة من مصادفة الاتفاق لواحدة من هذه فيصدق بِهَا الكل ويبطل أن يكون مَا جاء به الأنبياء خرقا للعادات ثم دس قوم من الصوفية أن فلانا أهوى بإنائه إِلَى دجلة فامتلأ ذهبا فصار هَذَا كالعادة بطريق الكرامات من المتصوفين وبطريق العادات فِي حق المنجمين وبطريق الخواص فِي حق الطبايعين وبطريق الكهانة فِي حق المعزمين والعرافين فأي حكم بقي لقول عِيسَى عَلَيْهِ السلام: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} وأي خرق بقي للعادات وهذا العادات إلا استمرار الوجود وكثرة الحصول فَإِذَا نبههم العاقل المتدين عَلَى مَا فِي هَذَا من الفساد قَالَ الصوفي أتنكر كرامات الأولياء وقال أهل الخواص أتنكر المغناطيس الذي يجذب الحديد والنعامة تبلع [1] وفي نسخة إلا الفتى.
اسم الکتاب : تلبيس إبليس المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 63