اسم الکتاب : تلبيس إبليس المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 44
مذاهبهم أن العالم باق أبدا كَمَا لا بداية لوجوده فلا نهاية قالوا لأنه معلول علة قديمة وكان المعلول مَعَ العلة ومتى كان العالم ممكن الوجود لم يكن قديما ولا معلولا وَقَدْ قَالَ جالينوس لو كانت الشمس مثلا تقبل الانعدام لظهر فيها ذبول[1] فِي هذه المدة الطويلة فيقال لَهُ قد يفسد الشيء بنفسه بغتة لا بالذبول ثم من أين لَهُ أنها لا تذبل فإنها عندهم بمقدار الأَرْض مائة وسبعين مرة أَوْ نحو ذلك فلو نقص منها مقدار جبل لم يبن ذلك للحس ثم نحن نعلم أن الذهب والياقوت يقبلان الفساد وَقَدْ يبقيان سنين ولا يحس نقصانهما وإنما الإيجاد والإعدام بإرادة القادر والقادر لا يتغير فِي نفسه ولا تحدث لَهُ صفة وإنما يتغير الفعل بإرادة قديمة.
فصل: وحكى النوبختي فِي كتاب الآراء والديانات أن سقراط كان يزعم أن أصول الأشياء ثَلاثَة علة فاعلة والعنصر والصورة قَالَ وَاللَّه تعالى هو الفعال[2] والعنصر هو الموضوع الأَوَّل للكون والفساد والصورة جوهر للجسم وقال آخر منهم اللَّه هو العلة الفاعلة والعنصر المنفعل وقال آخر منهم العقل رتب الأشياء هَذَا الترتيب وقال آخر منهم بل الطبيعة فعلته.
وحكى يَحْيَى بْن بشير بْن عمير النهاوندي أن قوما من الفلاسفة قالوا لما شاهدنا العالم مجتمعا ومتفرقا ومتحركا وساكنا علمنا أنه محدث ولا بد لَهُ من محدث ثم رأينا أن الإنسان يقع فِي الماء ولا يحسن السباحة فيستغيث بذلك الصانع المدبر فلا يغيثه أَوْ فِي النار فعلمنا أن ذلك الصانع معدوم قَالَ واختلف هؤلاء فِي عدم الصانع المدبر عَلَى ثلاث فرق فرقة عزمت أنه لما أكمل العالم استحسنه فخشي أن يَزِيد فيه أَوْ ينقص مِنْهُ فيفسد فأهلك نفسه وخلا مِنْهُ العالم وبقيت الأحكام تجري بين حيواناته ومصنوعاته عَلَى مَا اتفق وقالت الفرقة الثانية بل ظهر فِي ذات الباري تولول فلم يزل تنجذب قوته ونوره حتى صارت القوة والنور فِي ذلك التولول وَهُوَ العالم وساء نور الباري وكان الباقي منه سنور.
وزعموا أنه سيجذب النور من العالم إليه حتى يعود كَمَا كان ولضعفه عَنْ مخلوقاته أهمل أمرهم فشاع الجور. [1] يقال ذبل الشيء ضعف وذهبت نضارته. [2] وفي نسخة هو العقل.
اسم الکتاب : تلبيس إبليس المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 44