اسم الکتاب : تلبيس إبليس المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 350
فِي رمضان فِي الأنوار طلبا للسمعة ومساجدهم طوال السنة مظلمة لأن إخراجهم قليلا من دهن كل ليلة لا يؤثر فِي المدح مَا يؤثر فِي إخراج شمعة فِي رمضان ولقد كان أغناء الفقراء بثمن الشمع أولى ولربما خرجت الأضواء الكثيرة السرف الممنوع مِنْهُ غير أن الرياء يعمل عمله وَقَدْ كان أحمد بْن حنبل يخرج إِلَى المسجد وفي يده سراج فيضعه ويصلي ومنهم من إذا تصدق أعطى الفقير والناس يرونه فيجمع بين قصده مدحهم وبين إذلال الفقير وفيهم من يجعل مِنْهُ الدنانير الخفاف فيكون فِي الدينار قيراطان ونحو ذلك وربما كانت رديئة فيتصدق بِهَا بين الجمع مكشوفة ليقال قد أعطى فلان فلانا دينارا وبالعكس من هَذَا كان جماعة الصالحين المتقدمين يجعلون فِي القرطاس الصغير دينارا ثقيلا يَزِيد وزنه عَلَى دِينَار ونصف ويسلمونه إِلَى الفقير فِي سر فَإِذَا رأى قرطاسا صغيرا ظنه قطعة فَإِذَا لمسه وجد تدوير دِينَار ففرح فَإِذَا فتحه ظنه قليل الوزن فَإِذَا رآه ثقيلا ظنه يقارب الدينار فَإِذَا وزنه فرآه زائدا عَلَى الدينار اشتد فرحة فالثواب يتضاعف للمعطى عند كل مرتبة ومنهم من يتصدق عَلَى الأجانب ويترك بر الأقارب وهم أولى وبإسناد عَنْ سُلَيْمَان بْن عامر قَالَ سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: "الصَّدَقَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذَوِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ" ومنهم من يعلم فضيلة التصدق عَلَى القرابة إلا أن يكون بينهما عداوة دنيوية فيمتنع من مواساته مَعَ علمه بفقره ولو واساه كان لَهُ أجر الصدقة والقرابة ومجاهدة الهوى وَقَدْ روي عَنْ أبي أيوب الأنصاري قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح".
قَالَ المصنف رحمه اللَّه وإنما قبلت هذه الصدقة وفضلت لمخالفة الهوى فَإِن من تصدق عَلَى ذي قرابة بحبه فقد اتفق عَلَى هواه ومنهم من يتصدق ويضيق عَلَى أهله فِي النفقة وقد روى عَنْ جابر بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أفضل الصدقة مَا كان عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ" وبإسناد عَنْ أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تصدقوا فَقَالَ رجل عندي دِينَار فَقَالَ تصدق به عَلَى نفسك قَالَ عندي دِينَار آخر قَالَ تصدق به عَلَى زوجتك قَالَ عندي دِينَار أخر قَالَ تصدق به عَلَى ولدك قَالَ عندي دِينَار آخر قَالَ تصدق به عَلَى خادمك قَالَ عندي آخر قَالَ أنت أبصر به" ومنهم من ينفق فِي الحج ويلبس عَلَيْهِ إبليس بأن الحج قربة وإنما مراده الرياء والفرجة ومدح الناس قَالَ رجل لبشر الحافي أعددت ألفي درهم للحج فَقَالَ أحججت قَالَ نعم قَالَ اقض دين مدين قَالَ مَا تميل نفسي إلا إِلَى الحج قَالَ مرادك أن تركب وتجيء ويقال فلان حاجي ومنهم من يفق عَلَى الأوقات والرقص ويرمي الثياب عَلَى المغني ويلبس عَلَيْهِ إبليس
اسم الکتاب : تلبيس إبليس المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 350