اسم الکتاب : تلبيس إبليس المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 239
والاستدلال بالصنعة عَلَى الصانع وهذه النهاية فِي متابعة الهوى ومخادعة العقل ومخالفة العلم قَالَ اللَّه تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} وقال: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} وقال: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فعدلوا عما أمرهم اللَّه به من الاعتبار إِلَى مَا نهاهم عنه وإنما تفعل هذه الطائفة مَا ذكرناه بعد تناول الألوان الطيبة والمآكل الشهية فَإِذَا استوفت منها نفوسهم طالبتهم بما يتبعها من السماع والرقص والاستمتاع بالنظر إِلَى وجوه المرد ولو أنهم تقللوا من الطعام لم يحنوا إِلَى سماع ونظر قَالَ أَبُو الطيب وَقَدْ أخبر بعضهم فِي شعره عَنْ أحوال المستمعين للغناء وما يجدونه حال السماع فَقَالَ:
أتذكر وقتنا وَقَدِ اجتمعنا ... عَلَى طيب السماع إِلَى الصباح
ودارت بيننا كأس الأغاني ... فأسكرت النفوس بغير راح
فلم نر فيهم إلا نشاوى ... سرورا والسرور هناك صاحي
إذا لبى أخو اللذات فيه ... منادى اللهو حي عَلَى الفلاح
ولم نملك سوى المهجات شيئا ... أرقناها لألحاظ ملاح
قال فَإِذَا كان السماع تأثيره فِي قلوبهم مَا ذكره هَذَا القائل فكيف يجدي السماع نفعا أَوْ يفيد فائدة قَالَ ابْن عقيل قول من قَالَ لا أخاف من رؤية الصور المستحسنة ليس بشيء فَإِن الشريعة جاءت عامة الخطاب لا تميز الأشخاص وآيات القرآن تنكر هذه الدعاوى قَالَ اللَّه تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} وقال: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} فلم يحل النظر إلا عَلَى صور لا ميل للنفس إليها ولاحظ فيها بل عبرة لا يمازجها شهوة ولا تعتريها لذة فأما صور الشهوات فإنها تعبر عَنْ العبرة بالشهوة وكل صورة ليست بعبرة لا ينبغي أن ينظر إليها لأنها قد تكون سببا للفتنة ولذلك مَا بعث اللَّه تعالى امرأة بالرسالة ولا جعلها قاضيا ولا إماما ولا مؤذنا كل ذلك لأنها محل فتنة وشهوة وربما قطعت عما قصدته الشريعة بالنظر وكل من قَالَ أنا أجد من الصور المستحسنة عبرا كذبناه وكل من ميز نفسه بطبيعة تخرجه عَنْ طباعنا بالدعوى كذبناه وإنما هذه خدع الشَّيْطَان للمدعين القسم الخاص قوم صحبوا المردان ومنعوا أنفسهم من الفواحش يعتقدون ذلك مجاهدة وما يعلمون أن نفس صحبتهم والنظر إليهم بشهوة معصية وهذه من خلال الصوفية المذمومات وَقَدْ كان قدماؤهم عَلَى غير هَذَا وقيل كانوا عَلَى هَذَا بدليل وَهُوَ ما أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت قَالَ أنشدنا أَبُو علي الروزباري.
اسم الکتاب : تلبيس إبليس المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 239