responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تلبيس إبليس المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 159
أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنا نخاف عَلَى عَبْد الرَّحْمَنِ فيما ترك قَالَ كعب سبحان اللَّه وما تخافون عَلَى عَبْد الرَّحْمَنِ كسب طيبا وأنفق طيبا فبلغ ذلك أبا ذر فخرج مغضبا يريد كعبا فمر بلحى بعير فأخذه بيده ثم انطلق يطلب كعبا فَقِيلَ لكعب إن أبا ذر طلبك فخرج هاربا حتى دخل عَلَى عثمان يستغيث به وأخبره الخبر فأقبل أَبُو ذر يقتص الأثر فِي طلب كعب حتى انتهى إِلَى دار عثمان فلما دخل قَامَ كعب فجلس خلف عثمان هاربا من أبي ذر فَقَالَ لَهُ أَبُو ذر هيه يا ابْن اليهودية تزعم أنه لا بأس بما ترك عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف لقد خرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما فَقَالَ: "الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قَالَ هكذا وهكذا" ثم قَالَ يا أبا ذر وأنت تريد الأكثر وأنا أريد الأقل فرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد هَذَا وأنت تقول يا ابْن اليهودية لا بأس بما ترك عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف كذبت وكذب من قَالَ بقولك فلم يرد عَلَيْهِ حرفا حتى خرج.
قال الحارث: فهذا عَبْد الرَّحْمَنِ مَعَ فضله يوقف فِي عرصة القيامة بسبب مال كسبه من حلال للتعفف ولصنائع المعروف فيمنع من السعي إِلَى الْجَنَّة مَعَ فقراء المهاجرين وصار يحبو فِي آثارهم حبوا وَقَدْ كان الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عنهم إذا لم يكن عندهم شيء فرحوا وأنت تدخر المال وتجمعه خوفا من الفقر وذلك من سوء الظن بالله وقلة اليقين بضمانه وكفى به دائما وعساك تجمع المال لنعيم الدنيا وزهرتها ولذاتها وقد بلغنا إِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ من أسف عَلَى دنيا فاتته قرب من النار مسيرة سنة وأنت تأسف عَلَى مَا فاتك غير مكترث بقربك من عذاب اللَّه عز وجل ويحك هل تجد فِي دهرك من الحلال كَمَا وجدت الصحابة وأين الحلال فتجمعه ويحك إني لك ناصح أرى لك أنك تقنع بالبلغة ولا تجمع المال لأعمال البر فقد سئل بعض أهل العلم عَن الرَّجُل يجمع المال لأعمال البر فَقَالَ تركه أبر مِنْهُ وبلغنا أن بعض خيار التابعين سئل عَنْ رجلين أحدهما طلب الدنيا حلالا فأصابها فوصل بِهَا رحمه وقدم منها لنفسه والآخر جانبها ولم يطلبها ولم يبذلها فأيهما أفضل فَقَالَ بعيد وَاللَّه مَا بينهما الذي جانبها أفضل كَمَا بين مشارق الأَرْض ومغاربها.
قَالَ المصنف: فهذا كله كلام الحارث المحاسبي ذكره أَبُو حامد وشيده وقواه بحديث ثعلبة فانه أعطى المال فمنع الزكاة قَالَ أَبُو حامد فمن راقب أحوال الأنبياء والأولياء وأقوالهم لم يشك فِي أن فقد المال أفضل من وجوده وإن صرف إِلَى الخيرات إذ أقل مَا فيه اشتغالهم بإصلاحه عَنْ ذكر اللَّه عز وجل فينبغي للمريد أن يخرج من ماله حتى لا يبقى لَهُ إلا قدر ضرورته فما بقي لَهُ

اسم الکتاب : تلبيس إبليس المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 159
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست