اسم الکتاب : بهجة المجالس وأنس المجالس المؤلف : ابن عبد البر الجزء : 1 صفحة : 235
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فمهما زوت عنه فليس بضائر
فما تعدل الدنيا جناح بعوضةٍ ... لدى الله أو مقدار زغبة طائر
فما رضى الدنيا ثواباً لمؤمنٍ ... ولا رضى الدنيا عقاباً لكافر
قال أبو العتاهية:
ويا دنياي مالي لا أراني ... أسومك منزلاً إلا نبا بي
وما لي لا ألح عليك إلا ... نصبت الهم لي من كل باب
أراك وإن طلبت بكل وجهٍ ... كحلم النوم أو ظل السحاب
وكالأمس الذي ولى مريراً ... وكالحدثان أو لمع السراب
وهذا الخلق منك على مسيرٍ ... وأرجلهم جميعاً في الركاب
وموعد كل ذي سعىٍ وفعلٍ ... بما يبدو غداً يوم الحساب
قال ابن مسعود: الدنيا كلها غموم، فما كان منها سرور فهو ربح.
وقال الشاعر:
ومن يحمد الدنيا لعيشٍ يسره ... فسوف لعمري عن قليلٍ يلومها
إذا أدبرت كانت على المرء حسرةً ... وإن أقبلت كانت قليلاً نعيمها
وقال آخر:
إنما الدنيا وإن سر ... ت قليل من قليل
لبس يخلو أن تراءى ... لك في زيً جميل
ثم ترميك من المأ ... من بالخطب الجليل
قال بعض الحكماء: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها.
قال الخليل بن أحمد: الدنيا أمد، والآخرة أبد.
وصف الحسن البصري الدنيا، فقال: أما اليوم فعمل، وأما أمس فأجل، وأما غد فأمل.
قال محمود الوراق:
تلذذت في الدنيا بك لطريفة ... على أنها أيضاً حرام محرم
وتأمل جنات الخلود لبئسما ... تقدر، من يقضي بهذا ويحكم؟
لئن كان حكم الله يخرج هكذا ... فإنك من يحيي على الله أكرم
إذا قيل: من يقضي بهذا فقل له ... ومد له في الصوت: يحلم يحلم
وقال منصور الفقيه:
دنيا تروح بأهلها ... في كل يومٍ مرتين
فغدوها لتجمعٍ ... ورواحها لشتات بين
وقال آخر:
إنما الدنيا شتات ... فتأهب لشتاتك
واجعل الدنيا كيومٍ ... صمته عن شهواتك
واجعل الفطر إذا ما ... صمته يوم وفاتك
وقال آخر:
أنت في دار شتاتٍ ... فاغتنم وقت حياتك
اترك الدنيا وما ... فيها ودعها لعداتك
تجمع المال وتوعي ... هـ لأزواج بناتك
أو لكناتٍ قريرا ... ت عيونٍ بوفاتك
أو لبعل العرس من ... بعدك تحبوه بذاتك
إنما الدنيا كحلم ... فانتبه من غفلاتك
وقال آخر:
نراع لذكر الموت ساعة ذكره ... وتعترض الدنيا فنلهو ونلعب
ونحن بنو الدنيا خلقنا لغيرها ... وما كنت فيها فهو شيء محبب
قال الخاسر: أشعر الجن والإنس أبو العتاهية في قوله:
سكن يبقى له سكن ... ما بهذا يؤذن الزمن
نحن في دارٍ يخبرنا ... عن بلاها ناطق لسن
دار سوءٍ لم يدم فرح ... لامرئ فيها ولا حزن
في سبيل الله أنفسنا ... كلنا بالموت مرتهن
كل نفسٍ عند ميتتها ... حظها من مالها الكفن
إن مال المرء ليس له ... منه إلا ذكره الحسن
كان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - يتمثل:
ولا خير في عيش امرئ لم يكن له ... من الله في دار الحياة نصيب
فإن تعجب الدنيا أناساً فإنها ... متاع قليل والزوال قريب
وقال الغزال:
لقد فسدت فما تلقى ... بها من ليس ذا شجن
وصار الحي منا يغ ... بط الملفوف في الكفن
وقال سابق البربري:
لسانك للدنيا عدو مشاحن ... وقلبك فيها للسان مباين
وما ضرها ما قلت فيها وقد صفا ... لها منك ود في فؤادك كامن
قال ابن الحنفية: من كرمت عليه نفسه، هانت عليه الدنيا.
قال الشعبي: ما أعلم لنا وللدنيا مثلا إلا كما قال كثير عزة:
اسم الکتاب : بهجة المجالس وأنس المجالس المؤلف : ابن عبد البر الجزء : 1 صفحة : 235