اسم الکتاب : بهجة المجالس وأنس المجالس المؤلف : ابن عبد البر الجزء : 1 صفحة : 169
وقال الحارث بن الوليد:
ذهب الذين إذا رأوني مقبلا ... هشوا وقالوا مرحباً بالمقبل
وبقيت في خلف كأنّ حديثهم ... ولغ الكلاب تهارشت في منهل
وقال الأحوص:
ذهب الذين أحبهم سلفا ... وبقيت كالمفقود في خلف
من كلّ مطوىّ على حنق ... متصنعٍ يكفي ولا يكفي
وقال بشار:
فسد الزمان وساد فيه المقرف ... وجرى مع الطّرف الحمار الموكف
كان سفيان الثوري يقول: ذهب الناس فلا مرتع ولا مفرع ولعبد الله بن المبارك الفقيه، وتروى لغيره:
دهب الرجال المتقدى بفعالهم ... والمنكرون لكلّ أمرٍ منكر
وبقيت في خلف يزين بعضهم ... بعضاً ليأخذ معورٌ من معور
ركبوا ثنيات الطريق فأصبحوا ... متنكبين عن الطريق الأكبر
ما أقرب الأشياء حين يسوقها ... قدرٌ وأبعدها إذا لم يقدر
العلم زين للرجال مروءةٌ ... والعلم أنفع من كنوز الجوهر
أأخي إن من الرجال بهيمةً ... في صورة الرجل السميع المبصر
فطن لكلّ مصيبة في ماله ... وإذا يصاب بدينه لم يشعر
ولأبي حفص عمرو بن علىّ بن بحر الفلاس، وكان أحد أئمة أهل الحديث الحفاظ الجلية:
ألا ذهب التّكرم والوفاء ... وباد رجاله وبقى الغثاء
وأسلمي الزمان إلى رجالٍ ... كأمثال الذئاب لهم عواء
صديق كلما استغنيت عنهم ... وأعداء إذا نزل البلاء
وقال منصور الفقيه:
يا زماناً أورث الأح ... رار دلاّ ومهانه
لست عندي بزمانٍ ... إنما أنت زمانه
كيف نرجو منك خيراً ... والعلا فيك مهانه
أجنوناً ما نراه ... منك يبدو أم مجانه
وقال آخر:
كنا نعيّر من يأتي بفاحشةٍ ... والناس يرعون حقّ الدين والحسب
فالناس قد تركوا التعيير كلهم ... لما استوى النّاس في الفحشاء والكذب
وقال آخر:
ذهب الوفاء ذهاب أمس الذّاهب ... فالناس بين مجاملٍ وموارب
وقال آخر:
ذهب التكرم والوفاء من الورى ... وتقّرضا إلاّ من الأشمار
وفشت خيانات الثقات وغيرهم ... حتى اتّهمنا رؤية الأبصار
ولعبد الله بن عبد العزيز بن ثعلبة اليعقوبي الشّذني:
مضى دهر السّماح فلا سماح ... ولا يرجى لدي أحدٍ فلاح
رأيت الناس قد مسخوا كلابا ... فليس لديهم إلاّ النّباح
وأضحى الظّرف عندهم قبيحا ... ولا والله إنّهم القباح
سلام أهل إبليس عليكم ... فإن البين أوشكله الرّواح
نروح فنستريح اليوم منكم ... ومن أمثالكم قد يستراح
إذا ما الحرّ هان بأرض قومٍ ... فليس عليه في هرب جناح
وقال آخر:؟ مضى الجود والإحسان واجتثّ أصله وأخمد نيران النّدى والمكارم
وصرت إلى ضرب من الناس آخر ... يرون العلا والمجد جمع الدّراهم
كأنهم كانوا جميعاً تعاقدوا ... على اللؤم والإمساك في صلب آدم
كان بلال لما قدم المدينة ينشد تشوقا إلى المكة، ويرفع عقيرته:؟ ألا ليت شعرى هل أبيتّن ليلةً بوادٍ وحولى إذخر وجليل
وهل أردن يوماً مياه مجنّةٍ ... وهل يبدون لى شامةٌ وطفيل
ولا بن ميادة واسمه الرّمّاح:؟ ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلةً بحرة ليلى حيث ربيّننى أهلى
بلادٌ بها نيطت على تمائمي ... وقطعن عني حين أدركني عقلي
وقال آخر:؟ أحبّ بلاد الله ما بين منعجٍ إلى وسلمى أن يصوب سحابها
بلادٌ بها عقٌ الشباب تمائمي ... وأول أرض مسّ جلدي ترابها
وقال آخر:؟ أحنّ إلى دهرٍ مضى بغضارةٍ إذا العيش رطبٌ والزمان مواتي
وأبكى زماناً صالحا قد فقدته ... يقطع قلبي ذكره حسرات
تمطّى علينا الدّهر في متن قوسه ... ففرقنا منه بنبل شتات
وقال متمم بن نويرة:
اسم الکتاب : بهجة المجالس وأنس المجالس المؤلف : ابن عبد البر الجزء : 1 صفحة : 169