اسم الکتاب : بهجة المجالس وأنس المجالس المؤلف : ابن عبد البر الجزء : 1 صفحة : 157
قيل لأبي عمرو الشيباني:لأيّ شئ يكون الثقيل أثقل على الإنسان من الحمل الثقيل؟ فقال: لأن الثقيل يقعد على القلب، والقلب لا يحتمل ما يحتمل الرأس والبدن من الثقل.
كان فلاسفة الهند يقولون: النظر إلى الثقيل يورث موت الفجأة.
قال ثقيل لمريض: ما تشتهي؟ قال: أشتهي ألا أراك.
مرض الأعمش فعاده أبو حنيفة، فقال: يا أبا محمد! لولا أنه يثقل عليك،لعدتك كل يوم.
فقال الأعمش: والله إنك على لّثقيل وأنت في بيتك، فكيف إذا عدتني؟ قال معمر: ما بقي من لذّات إلاّ ثلاثة: محادثة الإخوان، وحكّ الجرب،والوقعة في الثقلاء، وهي أفضل الثلاث.
وقال عبد الرزّاق عن معمر، قال: ما بقي من لذّات الدنيا إلاّ ثلاثة:محادثة الإخوان، وأكل القديد، وحكّ الجرب. وأزيدكم واحدة: الوقيعة في الثقلاء، وأنشد:
ليتني كنت ساعةً ملك المو ... ت فأفني الثّقال حتى يبيدوا
قال: وسمعت معمرا يقول: رحم الله عبد الكريم أبا أمية، إن كان لثقيلا غير ثقة.
قيل لأبي النضر: لم تكثر عن شعبة؟ قال: كان يستثقلني، وكنت أهلا لذالك.
قال أبو هفان:
مشتمل بالبغض لا تنشني ... إليه طوعاً مقلة الرّمق
يظل في مجلسنا قاعداً ... أثقل من واشٍ على عاشق
كان الأعمش إذا قام من مجلسه ثقيل يتمثل:
إن غاب عنك ثقيل كلّ قبيلةٍ ... ممن يشوب حديثه بمراء
فهناك طاب لك الحديث وإنما ... طيب الحديث بخفة الجلساء
وقال آخر:
إني أجالس معشراً ... نوكى أخفّهم ثقيل
قوم إذا جالستم ... صدئت بقربهم العقول
لا يفقهون مقالتي ... ويدقّ عنهم ما أقول
وقال آخر:
إذا جلس الثقيل إليك يوماً ... أتتك عقوبة من كل باب
فهل لك يا ثقيل إلى خصالٍ ... تنال ببعضها كرم المآب
إلى مالي فتأخذه جميعاً ... أحلّ لديك من ماء السّحاب
وتنتف لحيتي وتدقّ أنفي ... وما في فيّ من ضرس وناب
على ألاّ أراك ولا تراني ... مقاطعةً إلى يوم الحساب
كان يقال:مجالسة الثقيل عذابٌ وبيل.
قال عبد الأعلى بن مسهر: كان نقش خاتم أبي: " أبرمت فقم " فكان إذا استثقل جليسه ناوله خاتمه ليقرأنقشه.
وهذا الخبر رواه أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر، قال: قال لي هشام بن يحيى:كان نقش خاتم أبيك ... فذكر الخبر.
سلم ثقيل على إبراهيم بن عبد الله القارئ صاحب هارون، فقال له: يا هذا! قد والله بلغت منى غاية الأذى، أسلفنى سلام شهر وأرحنى منك.
قال معمر: كنت جالساً مع سماك بن الفضل في مجلس بصنعاء، فدخل علينا صاحبٌ له ثقيل فلمّا جلس قال لي سماك: يا معمر! تعال حتى ندعو على كل ثقيل بصنعاء.
قال الشاعر:
أنت يا هذا ثقيل ... وثقيلٌ وثقيل
أنت في المنظر إنسا ... نٌ وفي الميزان فيل
وقال ابن أبي أمية:
شهدت الرقاشى في مجلس ... وكان إلى بغيضاً مقيتا
قال: اقترح بعض ما تشتهي ... فقلت: اقترحت عليك السكوتا
فقال أبو حازم: عود نفسك الصبر الجليس والسوء، فإنه لا يكاد يخطئك.
قال الهيثم بن عدّى: كنت يوماً عند مسعر بن كدام، فأتاه رقبة بن مصقلة العبدى، فقال له معسر: مالك يا ابن مصقلة؟ قال: صريع فالوذج. قال: وأين؟ قال: عند من قضى أبوه في الجماعة، وحكمّ في الفرقة.
دعانا الوليد بن الحارث بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، فأتينا بخوان كجوبة من الأرض، وأتينا برقاق كأذان الفيلة، وجرجبرٍ كآذان المعزي، ثم أتينا بساكبة الماء كأن ظهرها ظهر طائرٍ قيراطيّ، ثم أتينا بفالوذج عديد، كأنّ الزئبق والجادى ينبعان من خلاله، يرى نقش الدرهم من تحته، فوضع على رأس حبّ فنحن على لذة من هذا وعلى يقين من ذلك. فقال له مسعر: أراك طفيفاً.
فقال: يا أبا محمد! كل من ترى طفيلي إلا أنهم يتكاتمون، فو الله ما برحنا حتى طلع علينا الحارث من بعض أبواب المسجد يخطر بيديه، فقال رقبة: انظروا إلى هذا وكيف يمشى؟! لو كان أبوه جدع أنف عمرو بن العاص مازاد على هذا
اسم الکتاب : بهجة المجالس وأنس المجالس المؤلف : ابن عبد البر الجزء : 1 صفحة : 157