responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بهجة المجالس وأنس المجالس المؤلف : ابن عبد البر    الجزء : 1  صفحة : 123
قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا صنعت بزاهدٍ متعبّد
قد كان شمر للصلاة ثيابه ... حتّى عرضت له بباب المسجد
ردّى عليه صيامه وصلاته ... لا تقليه بحقّ دين محّمد
فشاع قول الدرامىّ هذا في الناس: وقالوا: رجع الدرامىّ عن نسكه، وعاد إلى فتكه، فلم يبق في المدينة امرأة ظريفة إلا ابتاعت خماراً أسود حتى نفد ما كان منها مع العراقي، فلما علم الدراميّ ذلك، رجع إلى نسكه ولزم المسجد. والدراميّ هذا أصله مكىّ، ثم انتقل إلى المدينة زمن عمر بن عبد العزيز، وعاش إلى خلافة بني العباس، وانقطع إلى عبد الصمد بن على وكان شاعراً مطبوعاً، ترك ذلك وتنسك، وهو القائل:
ولما رأيتك أوليتني ال ... قبيح وباعدت عنّي الجميلا
تركت وصالك في جانب ... وصادفت في النّاس خلاّ بديلا
طويسٌ الذي تضرب به العرب المثل في الشّؤم، هو رجلٌ من أهل المدينة مولى لبني مخزوم، واسمه عيسى بن عبد الله، وهو أول من أظهر الخنا والمجون بالمدينة، وكان مغنيا يضرب الدف، وسئل عن والده، فقال: ولده، فقال، ولدت يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم، وفطمت يوم مات أبو بكر، وختنت يوم قتل عمر، وتزوجت يوم قتل عثمان، وولد لي يوم قتل على بن أبي طالب فيقولون في أمثالهم السّائرة. أشأم من طويس.
كان الشّعبي يوماً جالساً في مجلسه، والناس يتناظرون في الفقه عنده، معه شيخ يطيل السكوت، فقيل له يوماً: لو سألت عن مسألة تنتفع بها، فقال: إني لأجد في قفاي حكّة، أفترى لي أن أحتجم؟ فقال الشعبي:الحمد لله الذي صرنا من الفقه إلى الحجامة.
مر بالشعبي يوماً رجل يقود حماراً،فقال له:ما اسمك؟ قال:وردان. قال:وما اسم حمارك؟ قال:عمران. قال الشعبي:واخلافاه!! مر رجل معه كلب بابن أبي عتيق،فقال له:ما اسمك؟ قال:وثاّب.
قال:وما اسم كلبك؟ قال:عمروزفقال ابن أبى عتيق:واخلافاه،وأنشد:
ولو هيّا له الله ... من التّوفيق أسبابا
لسمّى نفسه عمراً ... وسمّى الكلب وثاّبا
أنشد رجل زبّان السّوّاق،قول إسماعيل بن يسار:
ما ضرّ أهلك لو تطوّف عاشقٌ ... بفناء بيتك أو ألمّ فسلّها
فبكى زبّان،وقال:لاشئ والله،إلا الضّجر وسوء الخلق وضيق الصدر،وجعل يبكي ويمسح عينيه.
قيل لمدنّى:أما تتقى الله،تؤذي جيرانك؟! قال:فمن أوذى إذاً؟ أوذى من لا أعرفه؟! كان الفرزدق جالساً في حلقة الحسن رحمه الله،فقال رجل:يا أبا سعيد! ما تقول في الرجل يحكي عن غيره،يقول:قال فلانٌ طلقت امرأتى،وأعتقت عبدي،وفعلت وفعلت ولانّية له في ذلك. فقال الفرزدق:ياأبا سعيد:قد قلت أنا في ذلك. فقال:وما قلت يا أبا فراس؟ فليس كلّ قول يؤخذ به.
قال:قلت:
ولست بمأخوذٍ بشئ تقوله ... إذا لم تعمّد عاقدات العزائم
قال الحسن:صدق أبو فراس،القول ما قال.
اعترض الإسكندر جيشه يوماً،فرأى فيهم رجلا أعرج،فأمر بإسقاطه،فضحك الأعرج. فقال له الإسكندر:مم ضحكك؟ وقد أسقطتك. فقال:تعجبا منك لحبك آلة الهروب،وكراهتك آلة الوقوف،لأن معى آلة الوقوف في الحرب وتسقطني،فأمر بإثباته في خاصته،وأسنى رزقه.
سمع ابن أبي عتيق يوما نصيباً الشاعر،وكان أسود،ينشد لنفسه:
وددت ولم أخلق من الطّير أنّني ... أعار جناحي طائر فأطي
فقال له ابن أبي عتيق:يا ابن أخي! قل:غاق تطر. شبهه بالغراب لشدة سواده. هاج بأبي علقمة الأعرابيّ الدّم،فأتوه بحجّام،قال له:يا حجّام! اشدد قصبة الملزم،وأرهف ظبة المشرط، وأسرع الوضع، وأسرع الوضع، وعجل النّزع، وليكن شرطك وخزاً، ومصّك نهزاً. فقام الحجام ناهضاً، وقال: انتظر حتى يأتيك ابن القريّة فيحجمك.

اسم الکتاب : بهجة المجالس وأنس المجالس المؤلف : ابن عبد البر    الجزء : 1  صفحة : 123
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست