responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بستان الواعظين ورياض السامعين المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 235
السُّوق لَكَانَ المريد محقوقا إِذا دخل السُّوق أَن لَا يَشْتَرِي شَيْئا غَيره وَالله تَعَالَى قد فَضلكُمْ بدين الْإِسْلَام وَمن عَلَيْكُم بِشَهْر الصّيام وَالله أعلم
وأنشدوا
(وَرَبك لَو أَبْصرت يَوْمًا تَتَابَعَت ... عزائمهم حَتَّى لقد بلغُوا الجهدا)
(لأبصرتم قد حَاربُوا النّوم وَارْتَدوا ... بأردية السهاد واستعملوا الكدا)
(وصاموا نَهَارا دَائِما ثمَّ أفطروا ... على بلغ الأقوات واستقربوا البعدا)
(أُولَئِكَ قوم حسن الله فعلهم ... وأورثهم من حسن فعلهم الخلدا)
قيل أَمرهم الْمولى جلّ جَلَاله بالصيام لِأَنَّهُ لَيْسَ على أهل النَّار شَيْء أَشد من الْجُوع وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى يلقِي عَلَيْهِم حَتَّى ينسوا كل الْعَذَاب من شدَّة الْجُوع
فيستطعمون مَالك خَازِن النَّار فيأتيهم بِطَعَام الغصة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {إِن لدينا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّة وَعَذَابًا أَلِيمًا} المزمل 12 فيعبر فِي حُلُوقهمْ فَيَقُولُونَ إِنَّا كُنَّا نبتلع الْغصَص فِي الدُّنْيَا بِالْمَاءِ فيستسقون الْمهل كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِن يستغيثوا يغاثوا بِمَاء كَالْمهْلِ} الْكَهْف 29 الْآيَة
فَأمر الله تَعَالَى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بصيام هَذَا الشَّهْر ليصرف عَنْهُم ذَلِك الْجُوع وَكَذَلِكَ أَمر الله تَعَالَى بصيامه سَائِر الْأُمَم فآمنت بِهِ هَذِه الْأمة وكفرت بِهِ سَائِر الْأُمَم وَهَذَا من لطف الله تَعَالَى على أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وأنشدوا
(إِذا الْمَرْء لم يتْرك طَعَاما يُحِبهُ ... وَلم يعْص قلبا غاويا حَيْثُ يمما)
(قضى وطرا مِنْهُ يَسِيرا وأصبحت ... إِذا ذكرت أَمْثَاله تملأ الفما)
وَقيل فرض عَلَيْهِم صِيَام شهر رَمَضَان لِأَن الزّهْد زهدان زهد فِي الْحَلَال وزهد فِي الْحَرَام وَأَشْرَفهَا الزّهْد فِي الْحَلَال فَأَمرهمْ الله تَعَالَى بِصَوْم هَذَا الشَّهْر حَتَّى يعطيهم ثَوَاب زهد الْحَلَال وَالْحرَام
وَقيل أَرَادَ الله تَعَالَى بذلك انتباه الْأَغْنِيَاء ليعلموا حَال الْفُقَرَاء فيصوموا مَعَهم وَقيل حَتَّى يذكرُوا بِشدَّة الصَّوْم شدَّة الْقِيَامَة لِأَنَّهُ لَيْسَ على أهل الْقِيَامَة أَشد من الْجُوع وليعلموا أَنه إِذا كَانَت فِي طَاعَة الله تَعَالَى شدَّة فَإِن الْجُوع فِي النَّار أعظم شدَّة
فَالله الله عباد الله اجتهدوا فِي حفظ هَذَا الشَّهْر الْعَظِيم يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين يَوْم يفوز فِيهِ الصَّائِم ويحشر فِيهِ المتأني المتهاون الظَّالِم إِذا عرضت عَلَيْهِ الأوزار والجرائم وانتهاك المحذورات والمحارم

وَرُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (لشبر فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) قَالَ الله عز وَجل {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} السَّجْدَة 17
233 - سرر الْجنَّة

قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَذَلِكَ أَن ولي الله فِي الْجنَّة على سَرِير والسرير ارتفاعه خَمْسمِائَة عَام وَهُوَ قَول الله عز وَجل {وفرش مَرْفُوعَة} الْوَاقِعَة 34 قَالَ والسرير من ياقوت أَحْمَر وَله جَنَاحَانِ من زمرد أَخْضَر وعَلى السرير سَبْعُونَ فراشا حشوها النُّور وظواهرها السندس وبطائنها من استبرق وَلَو دلى أَعْلَاهَا فراشا مَا وصل إِلَى آخرهَا مِقْدَار أَرْبَعِينَ عَاما
234 - أرائك الْجنَّة

وعَلى السرير أريكة وَهِي الحجلة وَهِي من لؤلؤة عَلَيْهَا سَبْعُونَ سترا من نور وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {هم وأزواجهم فِي ظلال على الأرائك متكئون} يس 56 يَعْنِي ظلال الْأَشْجَار على الأرائك يَعْنِي الأسرة فِي الحجال فَبَيْنَمَا هُوَ معانقها لَا تمل مِنْهُ وَلَا يمل مِنْهَا والمعانقة أَرْبَعِينَ عَاما فَإِذا رفع رَأسه فَإِذا هُوَ بِأُخْرَى متطلعة عَلَيْهِ تناديه يَا ولي الله أما لنا فِيك من دولة فَيَقُول حبيبتي من أَنْت فَتَقول أَنا من اللواتي قَالَ فِيهِنَّ الله {ولدينا مزِيد} ق 35 قَالَ فيطير سَرِيره أَو قَالَ كرْسِي من ذهب لَهُ جَنَاحَانِ فَإِذا رَآهَا فَهِيَ تضعف على الأولى بِمِائَة ألف جُزْء من النُّور فيعانقها مِقْدَار أَرْبَعِينَ عَاما لَا تمل مِنْهُ وَلَا يمل مِنْهَا فَإِذا رفع رَأسه رأى نورا ساطعا فِي دَاره فيعجب فَيَقُول سُبْحَانَ الله أملك كريم زارنا أم رَبنَا أشرف علينا فَيَقُول الْملك وَهُوَ على كرْسِي من نور بَينه وَبَين الْملك سَبْعُونَ عَاما وَالْملك فِي حَجَبته فِي الْمَلَائِكَة لم يزرك ملك وَلم يشرف عَلَيْك رَبك عز وَجل فَيَقُول مَا هَذَا النُّور
235 - زَوْجَة الدُّنْيَا

فَيَقُول الْملك لزوجتك الدُّنْيَوِيَّة وَهِي مَعَك فِي الْجنَّة إِنَّهَا طلعت عَلَيْك ورأتك معانقا لهَذِهِ فتبسمت فَهَذَا النُّور الساطع الَّذِي ترَاهُ فِي دَارك هُوَ نور ثناياها فيرفع رَأسه إِلَيْهَا فَتَقول يَا ولي الله أما لنا فِيك من دولة فَيَقُول حبيبتي من أَنْت

اسم الکتاب : بستان الواعظين ورياض السامعين المؤلف : ابن الجوزي    الجزء : 1  صفحة : 235
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست