ذكر عَن بعض الْخَائِفِينَ أَنه قَالَ رَأَيْت رجلا وافقا على صبي من الصّبيان فِي الْمكتب وَهُوَ يمحو لوحا وَكَانَ اللَّوْح قد كتبه بالحبر وَكَانَت الْكِتَابَة قد ثبتَتْ وَلَا تَزُول بِالْمَاءِ فَجعل الصَّبِي يحك اللَّوْح بالحبل وَالتُّرَاب فَقَالَ الرجل الْوَاقِف عَلَيْهِ يَا بني مَالك تحك اللَّوْح بالحبل فَقَالَ ليزول الحبر الَّذِي ثَبت فِيهِ فَقَالَ لَهُ الرجل وَالْحَبل يَا بني يزِيل الحبر قَالَ نعم أَلا ترى أَن الْحَبل إِذا حك فِي تنور الْبِئْر يُؤثر فِيهِ وَهُوَ حجر فَيصير فِيهِ من أثر الْحَبل شبه الْخَنَادِق فَقَالَ الرجل ذَلِك بطول الْمدَّة فَقَالَ الصَّبِي لَا يَا نعم الرجل إِلَّا بالحزم وَالِاجْتِهَاد وَإِيَّاك يَا نعم الرجل بعيد الذِّهْن قَالَ الرجل كَيفَ ذَلِك يَا بني قَالَ لِأَنِّي قد قلت لَك إِشَارَة لَو ألقيتها على قَلْبك لأفاق وامتحى الحبر الَّذِي عَلَيْهِ فَقَالَ الرجل يَا بني كَانَ على قلبِي حبرًا قَالَ يَا عَم وَأي لون هُوَ الحبر قَالَ هُوَ أسود
قَالَ الصَّبِي يَا عَم ألم أقل لَك إِنَّك بعيد الذِّهْن وَأي سَواد أَشد من سَواد الذُّنُوب على الْقُلُوب فصاح الرجل صَيْحَة وخر مغشيا على وَجهه ثمَّ أَخذ فِي الْبكاء
فَقَالَ لَهُ الصَّبِي أما الْآن فقد وجدت الدَّوَاء لذنوبك ومحوها من كتابك وقلبك
فَقَالَ الرجل يَا بني وَمَا الدَّوَاء فَقَالَ لَهُ الْبكاء
فَقَالَ يَا بني والبكاء يمحو الذُّنُوب من الْكتاب وَالْقلب قَالَ لَهُ نعم وَالدَّلِيل على ذَلِك قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الدُّمُوع تطفيء بحار النَّار يَوْم الْقِيَامَة عَن الباكي
اسم الکتاب : بستان الواعظين ورياض السامعين المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 123