اسم الکتاب : بحر الدموع المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 86
درجات المتقين في جنات النعيم.
وأنشدوا:
أحبّ الصالحين ولست منهم ... وأطلب أن أنال بهم شفاعة
وأكره من بضاعته المعاصي ... ولو كنا سواء في البضاعة
ويروى عن ذي النون المصري رضي الله عنه أنه قال: بينما أنا في بعض الفيافي والقفار، أطوف، وإذا بغلام قد انتقع لونه ونحل جسمه، يتلألأ نور الخدمة بين عينيه، وينطق آثار القبول من بين وجنتيه، وعلى وجهه سمت الطاعة والمجاهدة، وهيأة المؤانسة والمشاهدة، وعليه طمران [1] ، وعلى بدنه جبّة صوف متفتقة الأكمام والذيول، وعلى أحد كميّه مكتوب: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} الإسراء36. وعلى الكم الآخر مكتوب: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} النور 24. وعلى أذيالها مكتوب: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ق 16. وعلى ظهرها مكتوب: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} الحاقة 18.
وعلى رأسه مكتوب:
حبّ مولاي بلائي ... حيث مولاي دوائي
فما رأيت أنظف من طمرين كانا عليه، فتهيأت لخطابه، ثم دنوت منه بعد ساعة، فقلت: السلام عليك يا عبد الله، فقال: السلام عليك عليك يا ذا النون، فقلت له: ومن أين عرفتني يا أخي؟! فقال: اطلعت حقائق الحق من ضميري على مكنون ضميرك، فشاهد صفاء معرفتك في غياهب غيوب همتك، فتناطقا وتعانقا، فعرّفني أنك ذو النون المصري.
فقلت له: يا أخي ما هي ابتداء المحبة؟
فقال: الاعتبار بهذه الآية التي تراها وتسمعها، وأشار إلى المكتوبة على [1] الطمر: الثوب الخلق، والجمع: أطمار.
اسم الکتاب : بحر الدموع المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 86