اسم الکتاب : بحر الدموع المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 64
الفصل الرابع عشر
يا من أقعده الحرمان، هذه رفاق التائبين عليك عبور. لا رسالة دمع ولا نفس آسف، وما أراك إلا مهجور. هذا نذير الشيب ينذر بالرحلة تهيأ لها منذور. كم أعذار؟ كم كسل؟ كم غفلة؟ ما أجدك يوم الحساب معذور. بيت وصلك خراب، وبيت هجرك معمور. بدر عساك تجبر بالتوبة وتعود مجبور، سجدة واحدة واصل بها السحر وتنجو من الأهوال، {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} الرعد 15.
لله در أقوام قلوبهم معمورة بذكر الحبيب، ليس فيها لغيره حظ ولا نصيب، إن نطقوا فبذكره، وإن تحرّكوا فبأمره، وإن فرحوا فبقربه، وإن ترحوا فبعتبته، أقواتهم ذكر الحبيب، وأوقاتهم بالمناجاة تطيب، لا يصبرون عنه لحظة، ولا يتكلمون في غير رضاه بلفظة.
وأنشدوا:
حياتي منك في روح الوصال ... وصبري عنك من طلب المحال
وكيف الصبر عنك وأي صبر ... لعطشان عن الماء الزلال
إذا لعب الرجال بكل شيء ... رأيت الحبّ يلعب بالرجال
يروى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إذا بلغ العبد أربعين سنة، ولم يغلب خيره على شرّه، قبّله الشيطان بين عينيه، وقال: فديت وجها لا يفلح أبدا، فان منّ الله عليه، وتاب إليه، واستنقذه من الضلالة، واستخرجه من غمرات الجهالة، يقول الشيطان لعنه الله: يا ويلاه، قطع عمره بالضلالة، فأقرّ بالمعصية عيني، ثم أخرجه الله من الجهالة بتوبته ورجوعه إلى ربه" [1] . [1] أورده الغزالي في الإحياء، وقال العراقي: لم أجد له أصلا.
اسم الکتاب : بحر الدموع المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 64